السؤال الذي يشغل بال الكثيرين داخل إيران وخارجها هذه الأيام، والذي حظي بتغطية واسعة في وسائل الإعلام، هو: هل المفاوضات الحالية بين النظام الإيراني والولايات المتحدة هي مفاوضات مباشرة أم غير مباشرة، وما هي النتائج المحتملة لهذه المفاوضات؟
كتبت وكالة رويترز أن البيت الأبيض أعلن أن مفاوضات يوم السبت مع إيران ستكون مباشرة، في حين أعلن عراقجي أن المفاوضات غير مباشرة، وأكد مسؤولون آخرون من النظام على هذا التناقض، حيث أشاروا إلى أن المكان الكبير للمفاوضات والمسافة بين ممثل إيران والولايات المتحدة تجعلها مفاوضات غير مباشرة.
تجري هذه المفاوضات بصرف النظر عن شكلها بالتأكيد بموافقة كاملة من خامنئي، الذي كان قد صرح في 7 شباط (فبراير) 2025 بأن "التفاوض ليس حكيمًا أو ذكيًا أو شرفيًا". وهذه المفاوضات تأتي في وقت مستمر فيه تمير ونزع سلاح الجماعات المسلحة في لبنان والعراق، بينما لا يزال قمع الحوثيين مستمرًا. كما أكد ترامب مرة أخرى يوم الاثنين 7 نيسان (أبريل) 2025 قائلاً: "إيران لا يمكن أن تمتلك سلاحًا نوويًا، وإذا فشلت المفاوضات، أعتقد أن ذلك سيكون يومًا سيئًا جدًا لإيران".
السؤال الآن هو: إلى أين ستؤدي هذه المفاوضات بالنظر إلى الظروف والمطالب من الطرفين؟
من الطبيعي أن ننتظر قليلًا حتى تصبح النتائج أكثر وضوحًا، ولكن لكي نكون على دراية واضحة، يجب أن نأخذ في الاعتبار الأسس التي تقوم عليها هذه المفاوضات، وبالتالي تحليل الأخبار المتناقضة والمتنوعة التي نسمعها بشأن المفاوضات.
أهم الأسس في هذه المفاوضات:
1. النظام الإيراني، كما ذكر قادته مرارًا، لا يتخلى أبدًا عن قمع المعارضين وتأجيج الحروب وتصدير الإرهاب وكذلك برنامجه النووي. هذا درس أخذهت القيادة الإيرانية من سقوط القذافي، حيث تعلم خامنئي من مصير شاه إيران والقذافي، ولن يسمح لنفسه بكسر طوق الاختناق أو تقديم برنامجه النووي بسهولة.
2. سياسة تصدير الإرهاب والتطرّف مكرّسة بوضوح في دستور النظام. وتُظهر تجربة ٤٦ عاماً أن هذا النظام لا يفي بأي وعد أو التزام. وقد صرّح الخميني عام ١٩٨٧ بوضوح أنّه "من أجل الحفاظ على الحكم، يمكن انتهاك الاتفاقات وحتى التعهدات الدينية"، لأنّ النظام يعتبر بقاء السلطة والحكم ولايةً إلهيةً مطلقة وأوجب الواجبات.
3. التجربة السابقة أظهرت أن هذا النظام يسعى دائمًا لشراء الوقت في كل مفاوضاته. في العقد الأول من هذا القرن، بعد كشف مواقع الأسلحة النووية السرية من قبل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، اضطر خامنئي إلى قبول إغلاق هذه المواقع، لكنه بعد عام واحد خرق هذا التوافق ووسّع الأنشطة النووية. كما تكرر نفس السيناريو في اتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة "برجام"، حيث وصل تخصيب اليورانيوم إلى 60 بالمئة.
4. بالنسبة لخامنئي، فإن الحفاظ على النظام وحكم ولاية الفقيه المطلقة هو الأهم ويعتبر أوجب الواجبات، وكل شيء آخر مجرد خديعة. من هنا يقيم كل شيء بناءً على ما يزيد من بقاء النظام ووجوده في السلطة.
5. لا يوجد أي تصور أو احتمال لخامنئي لمفاوضات "ربح-ربح" أو ناجحة، لأن أميركا اليوم لن تقبل بتحقيق طموحات خامنئي النووية.
6. كما قال خامنئي نفسه بوضوح: "التحدي الوحيد الذي أواجهه هو الانتفاضة والثورة الداخلية لإسقاط النظام". لذلك، لا يزال يواصل قمع الشعب ونهب الثروات، لكن هذه الطريق تزيد فقط من تدهور الوضع الداخلي.
النتائج المحتملة:
1. على الرغم من أن التحليلات العلمية والمنطقية قد تدفعنا لافتراض كل الاحتمالات، إلا أن الأدلة والواقع الحالي يظهران أن كلا الطرفين لا يمكنهما التنازل عن مواقعهما. بالنسبة للنظام الإيراني، الهدف الرئيسي من الدخول في هذه العملية ليس الوصول إلى اتفاق، بل شراء الوقت، حتى لو كانت مساحة المناورة محدودة.
2. خامنئي لا يستطيع الجلوس على طاولة مفاوضات ترامب لأنه يسرع من خطر الثورة ويقوض أسس نظامه وهيمنته. كما قال السفير السابق للنظام في أفغانستان والعراق، كاظمي قمي، إن أميركا تطالب بتفكيك البرنامج النووي ووكلاء إيران في المنطقة.
3. إذا شهدنا يومًا أن خامنئي وافق على اتفاق من هذا النوع، فهذا يعني أن وضعه أسوأ مما يُظن، وأنه يسمع دقات الثورة بالقرب من أذنه.
4. حتى في هذا السيناريو، يبقى خامنئي الخاسر الأكبر، إذ إنّ التفاوض الذي خاضه لم يكن حكيمًا ولا ذكيًا ولا شريفًا، كما أقرّ هو نفسه. وبذلك، فقد دوّى صوت ضعف خامنئي في أروقة النظام، وبين صفوف المجتمع، وعلى مستوى الساحتين الدولية والإقليمية، مما سيُعمّق الشروخ داخل النظام ويُقرّب بركان الشعب من الانفجار والثورة.