: آخر تحديث

الإمارات وفرنسا.. قصة حليفين

59
67
55
مواضيع ذات صلة

  باسكال بونيفاس

العلاقات الثنائية بين الجمهورية الفرنسية ودولة الإمارات العربية المتحدة متطورةٌ بشكل خاص، وما فتئت تتقوى وتتوطد باستمرار. هذه العلاقات لم يمليها التاريخ أو الجغرافيا، وذلك على اعتبار أن البلدين لا يقعان في القارة نفسها، وأن علاقتهما لم تبدأ إلا منذ وقت قصير نسبياً. فتاريخياً، كانت فرنسا أكثر نشاطاً في أفريقيا منها في منطقة الخليج العربي؛ ومن جانبها، كانت الإمارات أكثر ارتباطاً بالمملكة المتحدة. وبالتالي، فإن البلدين طوّرا مستوى من العلاقات الثنائية القوية بشكل خاص بفضل قرارٍ سياسي وبشكل إرادي، بما يخدم مصالحهما المتبادلة. وعلى سبيل المثال، فمنذ انتخاب الرئيس إيمانويل ماكرون في مايو 2017، عُقدت ما لا يقل عن تسعة لقاءات ثنائية بين زعماء البلدين وأعضاء الحكومتين، وأحدث تلك الاجتماعات الزيارةُ التي قام بها صاحب  السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى العاصمة الفرنسية باريس في نوفمبر المنصرم.
وعلى الصعيد الاقتصادي، بلغت المبادلات التجارية بين البلدين 4.5 مليار يورو في عام 2017، ما جعل من الإمارات ثاني سوق لفرنسا في منطقة الخليج. وفضلاً عن ذلك، فإن هناك 600 شركة فرنسية تعمل في الإمارات. 


الروابط الاستراتيجية بين البلدين تعود إلى سنة 1977. فبعد نحو ست سنوات فقط على قيام اتحاد الإمارات ونهاية الوجود البريطاني في المنطقة، وقّعت كل من فرنسا ودولة الإمارات أول اتفاقية تعاون ثنائية بينهما، تعززت بعد ذلك بمعاهدة دفاع مشترك تم توقيعها في عام 1995. وبالإضافة إلى التعاون في المجال العسكري، يتعاون البلدان بشكل مكثف في مجال محاربة الإرهاب، إذ يشاركان في التحالف الدولي لمحاربة «داعش» في العراق وسوريا. كما تقدّم دولة الإمارات دعماً مهماً للجهود الفرنسية ضد الإرهاب في منطقة الساحل، وهو دعم يؤكد حيوية العلاقات الثنائية بين أبوظبي وفرنسا، لاسيما بالنظر إلى أن المنطقة ليست قريبة جغرافياً لأي من الدولتين. وفي هذا الإطار، تدعم الإمارات القوة المشتركة لمجموعة دول الساحل والصحراء الخمس، ومقرها في دولة مالي بغرب أفريقيا. 


إن هذا التعاون الاستراتيجي الإماراتي الفرنسي يستند إلى رؤية مشتركة للعالَم، تَعتبِر أن العلاقات ينبغي أن تكون منظَّمة بالقانون وتحترم سيادة الدول. ونتيجة لذلك، فإن مكافحة الإرهاب توحِّد البلدين على المستويين الإقليمي والعالمي. 
وقد لعبت دولة الإمارات العربية المتحدة دوراً مهماً كذلك في عقد اتفاق باريس للمناخ العالمي. كما كانت أحد الشركاء الرئيسين لمنتدى باريس للسلام الذي تم تنظيمه في الفترة بين يومي 11 و13 من شهر نوفمبر المنصرم.. ما يبرز مرة أخرى الرؤية المشتركة لأبوظبي وباريس، وهي رؤية داعمة للسلام ولعلاقات تشاركية تعددية على الصعيد العالمي. 


بيد أن التعاون بين الإمارات وفرنسا لا يقتصر على الجوانب الاقتصادية والاستراتيجية؛ ذلك أن الروابط الثقافية مهمةٌ جداً كذلك، لأن البلدين يوليان أهمية خاصة للثقافة، ويجعلان منها أولوية مهمة. وفي هذا الصدد، افتُتح متحف «اللوفر -أبوظبي» في شهر نوفمبر عام 2017، ليضيف بعداً آخر إلى التعاون الثقافي بين البلدين. وقد قام 17 متحفاً فرنسياً، من بينها اللوفر ومتحف أورساي ومتحف كي برانلي، بإعارة 300 قطعة فنية لمتحف «اللوفر -أبوظبي». وعلاوة على ذلك، تُعد دولة الإمارات عضواً في المنظمة الدولية للفرانكوفونية التي تعلِّق عليها فرنسا أهمية كبرى. وفي عام 2006، أُسست جامعة السوربون -أبوظبي. 


وفي الختام، فإنه لا شك في أن قيادتي البلدين تدركان حقيقتين رئيستين: أولاهما أنه في عالمٍ يلفُّ مستقبلَه غموضٌ متزايدٌ، يبدو أن الكلمة الأخيرة أصبحت تعود في كثير من الأحيان للقوة الاقتصادية والعسكرية والثقافية، وثانيتهما أن خطر الفوضى والاضطراب أصبح يخيم على كثير من مناطق العالم.. وفي ظل تينك الحقيقتين، فإن تعاون الجمهورية الفرنسية ودولة الإمارات العربية المتحدة أمرٌ أساسي ولا غنى عنه من أجل تعزيز نظام دولي يقوم على السلام والتعاون اللذين يمثّلان هدفاً مشتركاً للدولتين معاً.

*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية- باريس

 

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد