: آخر تحديث
يعبر مرايا الذات كشبح يخاطب ظله

ماريو باسيل ينقلب على ذاته في One Angry Man

61
74
58

"إيلاف" من بيروت: يقف الفنان ماريو باسيل بمسرحيته الجديدة One Angry Man على الحد الفاصل بين الوهم والخيال أمام مرآة ذاته التي يعبرها ذهاباً وإياباً كشبح يخاطب ظله في العراء.. ليعلن ذبذبات أفكاره بصوتٍ عال، ويحاور اختلاجات مشاعره مع ذكريات الطفولة وحنينه لوالده رغم قسوة تربيته، ليدخل بعدها عمق الصراع مع الواقع الذي عاشه منذ نعومة أظافره.



على مسرح المدينة العريق راح يقلّب ومضات أفكاره مستعرضاً المحطات الراسخة بذاكرته في مواجهة بين ادعاءاته والحقائق التي تفضحها مداخلات تقدّمها شخصيات تدخل المسرحية على أنها صور من بنات أفكاره، يخاطبها بينما يخبِر الجمهور انها مجرد أوهام غير مرئية إلا بخياله!


ويستمر بأدائه مع دوي الصوت الداخلي الذي يحاسب شرور الأقنعة التي يلبسها المرء في حياته اليومية، أو تلبسه غصباً عنه بفعل الموروثات وأحكام تقاليد بيئته. ثم ينتفض مخاطباً الله محاورًا معاتباً بجدلية العلاقة بين الإنسان وخالقه وخياره وقدره، في أرجوحة المنطق أمام مسلمات الإيمان وخياره بين المقاومة أو الاستسلام، ليجد نفسه عالقاً بشرنقة القصاص في مواجهة ضميرٍ حيّ يؤرقه محذراً من خطر الـEgo وعناد المرء تحت شعار التحدي المستمر To be or not to be وسط صرخة انفعالات تكبح جموح اندفاعه!
 



ويفاجِئ "باسيل" الحضور باعترافاتٍ تفرضها عليه الشخصيات التي تُطِل تباعاً على المسرح، ثم يسأل الجمهور: لماذا تصدقون كل ما ترونه وتتعاملون معي بشخصياتي المسرحية التي طمرت ماريو الحقيقي الانسان؟ أيعقل أن يختزلني الناس بـشخصية "ماريوكا"؟ أليس هذا نوعاً من الفشل مع الذات؟ 
وينطلق من سؤاله هذا إلى جدلية العلاقة بين الثقافة والسخافة في زمن انعكست فيه معادلة القيم بين من يرى في الثقافة سخافة ويعمم السخافات على أنها ثقافة في المجتمع الذي تغيّرت ملامحه وذائقة جمهوره عبر الأجيال. وهنا يقفز في البال سؤالٌ بديهيّ: هل يقدّم الفنان للجمهور ما يطلبه ويضحكه على قاعدة "الجمهور عاوز كده" أم أنه يتحمّل مسؤولية اختيار المواضيع البناءة كناقد يصحح المسار بكوميديا هادفة؟ 
 


إنه عمل يحمل تحديات عدة لماريو باسيل الذي يُطلّ على المسرح بشخصيةٍ جديدة تُثبتُ قدراته العالية في التمثيل على المسرح في مواجهة الجمهور بلحظاتٍ بين التأمل والصمت والصراخ والسكون في عمل مسرحي صعب ينطلق فيه بصراعه العفوي مع اسمه الطائفي "مارون" والذي حوله إلى "ماريو"، فيما لم يكن اسمه خياره ولا دينه قراره. ثم يدخل من هذه النافذة عبر التناقضات في مسلمات الايمان مروراً بمغريات الشيطان الذي يغزو أدبيات بيئته في لحظاتٍ يستعيدها من الذاكرة نادماً على فرصٍ ضاعت في غالب الأحيان..

والملفت أنه لا ينسى عبر تنقلاته في مرايا الذات أن يطرق باب القضية الشائكة في العلاقة بين الرجل والمرأة واستغلاله لحبها وسمعتها، وفهمه لها وشهوانية رغباته بين الخيانة والزواج. حيث يقارب بجرأةٍ لافتة أزمة الإنفصال الجنسي بين الثنائي تحت سقفٍ واحد، ومشكلة الإدعاء والهروب من الواقع بالعلاقات الخارجة عن إطار العائلة، فيتطرق للإنجاب غير الشرعي والسري، ويجسّد واقعة تهرب الرجل من مسؤولياته! 


مخرج العمل الفنان غبريال يمين، هنأ باسيل على عمله عبر فيديو "إيلاف" مؤكداً على أهمية جدلياته. ورأى أن الفن ليس رسالة بل تعبير عن مكنونات الذات بلحظة تختلج المرء في مكان وزمان، وهو ما استعرضه بطل العمل في مفاصل مسرحيته.

أما يارا خوام الشابة التي تشارك في التمثيل كشخصية خفية تُطِل على المسرح مع الممثلين سيرجيو روبيرت كوليانا وكريستينا عبيد، فشرحت بأن دورها في هذا العمل تجربة فريدة لن تنساها مهما قدمت لاحقاً من أدوار. وقالت إنها اكتشفت مدى عمق ماريو الفنان والانسان من خلال هذا العمل المميز.
الممثل جنيد زين الدين قال إنه شاهد المسرحية للمرةِ الثانية، ولقد اكتشف فيها المزيد من الإبداع. وأثنت الفنانة نوال كامل على العمل باعتباره نقلةً نوعية لـ"باسيل" الذي قارب المواقف بجرأة صارخة لم تقع بفخ الإبتذال. فيما رأى الممثل فيصل اسطواني أن ما شاهده على المسرح كان عملاً مبدعاً يحتاج جهداً كبيراً، ويضع الإنسان أمام مواجهة حقيقية مع الذات. وقال إنه يشبه ماريو الذي يعرفه عن قرب بعيداً عن شخصياته المسرحية.

من جهتها الفنانة رولا حمادة، وصفت العمل بالنقلة الجبارة لماريو باسيل الذي "طلع من حاله".. بمعنى أنه قدّم نفسه بأداءٍ مختلف عما اعتاده الجمهور، وقالت "برافو ماريو".


كلامٌ آخر يقوله النجوم وماريو نفسه في الفيديو المرفق من عرض المسرحية وكواليسها، حيث يستعرض باسيل رحلة داخل عقله بين "ميمات" اسمه ومدلولاته بمختصرات عرّف عنها في مقدمة العمل، بدءاً من ماريو مروراً بـ "ماما، مهندس، مهضوم، مرت، مدرسة، معزاية، ميكاييلا، ماريا، مرا، كوميديا، مسرح، مسبح، مدينة، معصّب، محشش، مجنون، مسخ،.. " وغيرها من المشهديات المرتبطة بحرف "الميم" التي سردها للجمهور بمواقف متتابعة معتمداً على ديكورٍ بسيط اقتصر على ظهور حرف الـ"M" كمدرّج خلفه، بحركة مسرحية بسيطة بين خروح الممثلين ورقصاتهم التعبيرية واختفائهم كأشباح يظهرون من وحي أفكاره..

إنها فعلاً لعبة الخيال بين مرايا العقل التي قرأ الحضور انعكاساتها، ووقف مصفقاً لماريو الذي يتوقف بهذا العمل عند محطات مختلفة من عمره، بملامح شخصية تعيش عمق الصراع بين قرارات المرء وانعكاساتها لاحقاً على حياته، فيقدّم نفسه أمثولة بمحطات بارزة تقارب بسماتها رحلة حياته، لكنها تبقى لوحةً سوريالية غير مكتملة تفتح باب الإجتهاد أمام المشاهد..


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ترفيه