بعد جهدٍ مضنٍ طال لأكثر من اثني عشر عاماً احتضنت الدوحةُ عرس الكرة العالمي، حيث جمعت أنصارها وعشاقها بشغف شديد عبر حفل الافتتاح المَهيب في إستاد البيت في مدينة الخور والتي انتظر ساعة الصفر الصغير قبل الكبير، وتجسّد حلم محبّي الكرة من قبل عشاقها الكثر بعد أن دفعت قطر لقاء احتفائها بهذا المونديال أكثر من 220 مليار دولار على البنية التحتية والمنشآت الرياضية، وهي منشآت تعجز الدول الغنية الكبرى عن توفيرها من أجل إقامة هذه البطولة التي يحتفي بها العالم كل أربع سنوات، وكل ذلك من أجل تحضيرات خدمية وسياحية ورياضية لفتت إليها أنظار العالم، فكان الحدث العالمي الذي دُعي إليه العديد من قادة الدول العربية والمسؤولين الكبار، فكان المونديال الأفضل في افتتاحه الذي شهد تميزاً واضحاً أشاد به كل من تابع وشاهد فعالياته.
التحدي الكبير هو ما سبق برنامج التحضيرات التي هيأت لها قطر إمكانات ضخمة عجز العالم عن تأمينه، لأنه في الواقع فاق التوقع والخيال، وكان التحدي الكبير لجهة النهوض بهذه البطولة التي استمرت الحكايات حولها، ورغم أنه لحظنا الكثير من الجهات الرسمية في العالم كانت تمارس دورها وبكل خسّة من أجل رسم ما يمكن أن يسيء إلى سمعة قطر وإبعادها عن احتضان البطولة، وعرقلة مسيرة التقدم والنهضة التي شهدتها طوال سنوات مضت، وخلال فترة قصيرة تمكنت من إنجاز الكثير من المشاريع العملاقة، سواء في مجال بناء الملاعب الضخمة التي أشاد بها الجميع، وكانت محط أنظارهم، وزادت تكلفتها عن 8 مليار دولار على الملاعب فقط، فضلاً عن ـ وهذا الأهم ـ عن إقامة المشاريع الأخرى من طرق خدمية، ومترو الأنفاق، وغيرها في عديد من المجالات المهمّة سواء في تحسين وتجديد وسائط النقل، وكثير غيرها، كل هذا ساهمت الدولة وبقيادة حكيمة ومدروسة ومتقنة ومتابعة دائمة ومستمرة من قبل أمير البلاد سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي كان يتابع ويشرف وبشكل شخصي على نسب إنجاز هذه المشاريع التي صار من حق قطر أن تفاخر وتعتزُّ بها.
وجاءت الادعاءات والافتراءات الكاذبة التي تبنّتها صحيفة الجارديان بادعائها وفاة حوالي 6500 من العمال الذي شاركوا في إنجاز هذه البنية التحتية الضخمة من المشاريع العملاقة، وادعائهم وفاة هذا العدد الكبير من العاملين الذي شاركوا في بناء هذه المشاريع، ناهيك بظروف العمل الصعبة التي تعرضوا لها، وهي مزاعم كيدية ولا أساس لها من الصحة للفت النظر إلى قطر بهدف الإساءة لها، فضلاً عمّا أضيف مؤخراً ما يصفونه بمعاملة الدوحة التمييزية ضد المرأة، وعلى ضوء ذلك تم استدعاء السفير الألماني في الدوحة لنقل احتجاج ورفض قطر لتصريحات وزيرة الداخلية الألمانية المسؤولة عن قطاع الرياضة، في الوقت الذي تستثمر قطر وبكل امكاناتها في ألمانيا وغيرها من دول العالم.
الهدف من كل هذا وذاك الإساء لقطر بصورة مباشرة، وإن دول الاتحاد الأوربي تضلل شعوبها بخزعبلات وأكاذيب غير مجدية، في الوقت الذي لا يجدون حرجاً ومشكلة في الاستثمارات والعلاقات الاقتصادية التي يقيمونها مع قطر.
إنَّ ما صرف على مونديال قطر لإظهاره بهذه الصورة التي شاهدها وتابع مجريات العالم من خلال حفل الافتتاح المبهر يفوق النسخ السابقة لمنافسات كأس العالم، وكل ذلك كان يتمّ بإشراف اللجنة العليا للمشاريع والإرث التي انتهجت سياسة إنفاق مدروسة، وكانت تهدف إلى رؤية قطر عام 2030 الاستراتيجية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحويلها إلى مجتمع عالمي، وتوفير مستوى معيشي يرقى إلى أن يجعل من قطر دولة مثالية، وجعلها مركز تجاري وسياحي له مكانته في المنطقة، علاوة عن تحديث مرافقها وتوسيع نطاق مبادراتها في مجال النقل والتجارة والاقتصاد والخدمات بصورة عامة.
لا شك في أن احتضان قطر للمونديال بنسخته الـ 22 هذا يعني إنعاش ونمو الاقتصاد القطري وبنسبة كبيرة، وسيسهم في تحسين الوجهة السياحية والترفيهية.
ولا ننسى في هذا الإطار الإشادة بدور رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو الذي أكد على أن هناك الكثير من الخروقات لناحية حقوق الإنسان في أوربا، وقبل أن ننتقد الآخرين يجب أن ننتقد أنفسنا، وعلى أوربا أن تتوقف عن الانتقادات عن إقامة قطر لهذه البطولة، وعليها أن تركز اهتمامها على تحسين أوضاع اللاجئين والمهاجرين الجدد الذين وطئوا أراضيها، وأن تُعرّف هذه النُسخة بثقافة العرب وتقاليدهم.
إنَّ الهجمة التي سبق أن تعرضت لها قطر منذ فوزها بشرف استضافة كأس العالم لكرة القدم كانت مجرد حملة لتشويه صورتها كبلد مستضيف لهذه البطولة، وهي حملات ظلت تتواصل وتتسع، فيما وصار الكل يتساءل عن الأسباب التي دفعت تلك الجهات عن الدوافع والأسباب الحقيقية لهذه الهجمات المظللة والكيدية.
ما يثير الدهشة والاستغراب أكثر الجماهير الغفيرة التي تصاحب فرقها المشاركة في المونديال بملابسهم الزاهية التي يرتدونها. وما نراه في الشارع اليوم من عشق جنوني لكرة القدم فإن ذلك فاق التوقعات، وكل ما هو محسوب بالورقة والقلم. فهذا مشجع أمريكي جاء قاطعاً آلاف الأميال لمساندة منتخب بلاده، وذاك مشجع ياباني، والإنجليزي، والهولندي، والاكوادوري، والبرتغالي والإسباني والقطري، والمغربي والسعودي، والمكسيكي والقائمة تطول..
الأحلام ها هي تتحول من سراب إلى حقيقة قائمة وملموسة شاهدناها وشاهدها معنا كثيرون وعن كثب.
لا نبالغ إن قلنا إنَّ هذا الإنجاز، وهذا التطوّر المتسارع ـ بالتأكيد ـ لم يأتِ عن عبث وإنما نتيجة جهود وتفكير ومتابعة ودراسات مستقبلية توازي هذا الذي شاهدناه. هذا التطور المتسارع أفرحنا حقيقة، ويستحق أكثر من علامة تعجب نرفعها حيال ما بني وشيّد في جميع مرافق الحياة.
الفرحة كبيرة، والحب كان أكبر.. وقطر وأهلها يستحقون حقيقة هذا الإنجاز الضخم الذي من حقهم أن يفاخروا ويتغنوا به..
بوركت السواعد التي شيّدت ودعمت ومنحت كل ذلك. إنّه عيد حقيقي أبهج الحاضرين للعرس الكبير الذي نظمته بامتياز الدوحة وعاش أيامه وبشغف وحب غير محدود عشاق الكرة المستديرة. بعد هذا وذاك ماذا يمكن أن نقول: الفرحة تغمر الجميع ويتمنون لأيام المونديال أن تطول أكثر فأكثر. بوركت السواعد التي نهضت بالبنية التحتية لقطر ـ عروس المستقبل.