اتهم المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي الولايات المتحدة وإسرائيل بإثارة الاضطرابات. ووفقا لوكالة مهر الإيرانية للأنباء، قال في حفل تخرج مشترك لطلبة جامعات ضباط القوات المسلحة: "هذه الاضطرابات وانعدام الأمن من تصميم أمريكا والكيان الصهيوني، وقد ساعدهم أيضا بعض الإيرانيين الخونة في الخارج".
ورغم أن قائد "الحرس الثوري" الإيراني حسين سلامي، كان قد حذر المتظاهرين، من أن يوم السبت 29 تشرين الأول/أكتوبر سيكون "آخر يوم" يخرجون فيه إلى الشوارع إلا أن المنتفضين تحدوه، وصعدوا تظاهراتهم الاحتجاجية رغما عنه.
هذا ما يراه النظام الإيراني في انتفاضة جماهيره الإيرانية المسالمة التي كسرت حاجز الخوف وأصبحت لا تقبل بأقل من سقوطه المحتوم. ولكن كان له في انتفاضات وتظاهرات أخرى في بلاد أخرى، وتحديدا في البحرين والعراق، مواقف أخرى بحاجة إلى أن نُذكر قراءَنا بأخبارها.
فلا ينكر أحد أن ما كان يقال عن مظلومية الشيعة والكرد العراقيين لم يكن أكثر من كلمة حق أريد بها باطل من قبل أؤلئك المتاجرين بالطائفية والعنصرية، على طريقة: لا تقربوا الصلاة.
فمنذ أن تملكوا السلطة في نيسان /أبريل 2003 لم يشغلوا أنفسهم بهموم أبناء الطائفة أو القومية التي قطفوا ثمار مظلوميتها، بقدر ما غرقوا في الامتيازات والمكاسب والرواتب والمخصصات والمساكن وتهريب الملايين والمليارات وتزوير الشهادات.
والدليل أن أشد الشكاوى مرارةً من الإهمال والغبن والعقوق هي تلك التي صدرت وتصدر باستمرار من الكرد الفيليين، ومن أهالي حلبجة، تحديدا، ومن عوائل شهداء انتفاضة آذار العراقية من أبناء المحافظات الجنوبية، ومن اللاجئين العراقيين السابقين في إيران وسوريا الذين كانوا الأكثر تعرضا لظلم النظام السابق وأذاه.
وهنا مربط الفرس في هذه المقالة. فمن أبرز مظاهر انتهازية النظام الإيراني أنه كان أكثر من استثمر انتفاضة الملايين العراقية في آذار 1991 التي أطلق عليها إعلامُه ووكلاؤه العراقيون اسم (الانتفاضة الشعبانية)، وأسرع المبادرين إلى دعمها وتثويرها ومنحها الشرعية وتَمنّي انتصارِها، رغم أنه كان مشاهدا، وفي بعض حالاتها، مشاركا فيما رافقها من غوغائية ونهب وسلب وتخريب وقتل بدوافع ثأرية، بوقائع مثبتة وموثقة.
والشهادة لله. إن من الواجب هنا أن نعترف بأن الدوافع الأولى لتلك الانتفاضة كانت وطنية شعبية عفوية أشعلها ظلم النظام وحروبه الخاسرة، وكان مقدرا له أن تنتصر لو لا ظهور الأعلام الإيرانية وصور الخميني واندفاع مئات المتسللين من إيران بثياب معارضين عراقيين، تحت رايات منظمة بدر وحزب الدعوة، الأمر الذي منح أمريكا العذر لإعطاء النظام الضوء الأخضر لقمعها.
هذا ما حدث في العراق. وما حدث في البحرين، في شباط/فبراير 2011 دليل أوضح على انتهازية النظام الإيراني وتزويره الحقائق والمواقف، حسب المصلحة والغرض والضرورة.
فلا أحد نسي هياجه السياسي والإعلامي، وبكاءه على الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان (المنتهكة) في البحرين، وحملات الشجب والرفض والشتم والتهديد بالويل والثبور التي راح يشنها أتباعه (المجاهدون) العراقيون واللبنانيون ضد حكومة البحرين، ومطالباتهم للمسلمين ودولَ العالم المدافعة عن حقوق الإنسان بالتحرك العاجل لوقف الظلم البحريني ضد المتظاهرين.
طبعا، لا يشك المراقب المحايد، ولو قليلا، في أن للمتظاهرين البحارنة مطالبَ عادلة ومشروعة، حالهُم فيها كحال العراقيين واللبنانيين والتوانسة والمصريين والليبيين واليمنيين والسوريين. فهي لم تخرج، في البداية، عن مطالباتها بالإصلاح السياسي وتحقيق المساواة والعدالة ومحاربة الفساد. وكان ممكنا أن تظل وطنية بحرينية داخلية قابلة للحل، مهما تباينت المواقف بين الحكومة ومعارضيها، ولكن دخول إيران على الخط بحملاتها التحريضية الكاسحة أفقد تلك المطالب صفتها الداخلية المشروعة، وحَوَل أصحابها إلى طابور إيراني خامس، رغما عنهم، ومنَح حكومة البحرين الحق المشروع في استخدام القوة للدفاع عن النفس، ولحماية أمنها الوطني، وإفشال الخطط الإيرانية المعادية.
وإيران التي انتفضت غضبا ودفاعا عن معارضي صدام حسين، وخصوم حكومة البحرين، بالأمس، هي نفسها التي قمعت معارضيها الإيرانيين (الشيعة)، بالأمس، وتقمعهم اليوم، بهمجية بالغة، ومنهم إسلاميون من داخل الخيمة الخمينية نفسها، بأبشع أنواع الردع والإرهاب. وهي التي تخرج اليوم على العالم، دون حياء، لتحكم على مواطنيها المتظاهرين السلميين في المدن والقرى الكردية والبلوشية والأفغانية والعربية بالعمالة والخيانة، وتأمر أجهزتها القمعية المسلحة باستخدام الرصاص الحي والإفتاء بأن قتلهم حلال.
وبالعقل والمنطقة لابد لنا أن نتساءل هنا عن سبب هذا الغضب الطافح الذي أخرج المرشد الإيراني من صمته ووقاره، وجعله يردح للمتظاهرين، ويُكفرهم، وينعتهم بالعمالة للأمريكان والإسرائيليين.
أليس هو الدليل الواضح والصارخ على شعوره بالاختناق، والفشل، والاقتراب من بوابة الخروج النهائي من حياة الإيرانيين؟.
وعلى ذمة نيويورك تايمز فإن الرئيس الأمريكي جو بايدن فقد أمله بتوقيع اتفاق نووي مع إيران، مضطرا، ومدفوعا بضغوط عديدة قوية لم يستطع إهمالها، منها فوز الجمهوريين بالأغبية في مجلس النواب، و تزايد التزاماته في أوكرانيا، وبرودُ همم الأوربيين في البحث عن صيغة اتفاق نووي فاعل ومحكم يضمن التزام النظام الأيراني الحازم والحاسم بوقف تجاربه النووية السرية، وفوزُ المتطرف الإسرائيلي نتنياهو الأكثر تشددا مع إيران والأشد إصرارا على منعها من حيازة السلاح النووي.
ثم تقول نيويورك تايمز إن "إدارة بايدن غيَّرت خططها تجاه إيران، وباتت اجتماعات أمنها القومي مخصصة لمناقشة وسائل تقويض المساعي الإيرانية النووية، وتوفير معدات ووسائل لدعم المتظاهرين الإيرانيين".
بالتزامن مع قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي يطالب النظام الإيراني" بوقف القتل والإخفاءات القسرية والعنف الجنسي".
وعلى غير عادتها تعلن منظمة هيومن ووتش Human Rights Watch لمراقبة حقوق الإنسان الدولية أن النظام الإيراني "لا يهتم بالتنديدات اللفظية، ولا يفهم سوى لغة القوة".
إذن، فقد بدأ الزمن والقدَر المحتوم يعملان على تقريب نظام خامنئي من نهاية الطريق، رغم أنه يكابر ويرفض الاعتراف بهزيمة أحلامه على أرض الواقع المتفجر المرير. اللهم آمين.