: آخر تحديث

الإمارات ودورها في حلحلة الأزمة الأوكرانية

26
24
31
مواضيع ذات صلة

لاشك أن الدول التي تمتلك طموحات تنموية كبرى هي الأكثر تضرراً من غياب حالة الفوضى وعدم الإستقرار الدولي، ناهيك عن اندلاع حروب ونشوء أزمات تعرقل طموحات هذه الدول وتحول بينها وبين تحقيق أهدافها التنموية.

من هذا المنطلق يمكن فهم منظور دولة الامارات للأزمات الإقليمية والدولية، ويمكن كذلك فهم سياسة "تصفير المشكلات" التي تنتهجها الدولة في الآونة الأخيرة، وهذا المنظور هو أيضاً أحد محركات ودوافع الزيارة المهمة التي قام بها مؤخراً صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات ـ حفظه الله ـ إلى روسيا، حيث يبدو الطرفين الروسي، والأوكراني، ومن خلفه الغربي، بحاجة ماسة إلى تدخلات دبلوماسية حكيمة تمتلك علاقات قوية وقبول مشترك من جميع الأطراف، لأن الواضح أن ترك الأمور بهذا الشكل من دون وجود أدوار دولية جادة للجم اندفاع الأزمة بوتيرة متسارعة نحو نهايات لا تحمد عقباها، سيدفع العالم كله ثمناً باهظاً له. والمشكلة هنا ليست في السياسات المعلنة والكوابح المؤسسية التي تحول دون توسيع نطاق المواجهات العسكرية والإنزلاق نحو حرب نووية في الظروف العادية، ولكنها ترتبط أولاً باستثنائية الوضع الراهن حيث تتصاعد معدلات التوتر بوتيرة متسارعة للغاية، وثانياً بسوء التقدير وخطأ الحسابات وهو العامل الأكثر خطورة في ظل هذه الظروف، حيث يغيب تماماً التواصل والاتصال بين الأطراف الرئيسية في الأزمة، بحيث أصبح الوضع مخالفاً لأزمات كبرى مشابهة مثل أزمة الصواريخ الكوبية، بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي السابق، والتي أديرت بدقة بالغة تختلف عما هو حاصل الآن من اندفاع غير محسوب باتجاه التصعيد العسكري، والحرب بالوكالة. ويتعلق ثالثاً بأهمية وجود وسطاء قادرين على طرح حلول وسط تحفظ ماء الطرفين وقدر من مصالحهما الإستراتيجية بعيداً عن اللعبة الصفرية، التي يمارسونها حالياً، والتي لا يمكن لها أن تقود إلى نهاية آمنة للأزمة.

دور الإمارات وجهودها الرامية للبحث عن مخارج للأزمة في أوكرانيا لا تستهدف البحث عن توازن في العلاقات مع روسيا من ناحية والغرب من ناحية أخرى، بل تنطلق من هذا التوازن ولا تبحث عنه، باعتباره واقع قائم بالفعل، فمواقف الإمارات معروفة منذ بدايات الأزمة، وسياساتها ثابتة من قبل إندلاع هذه الأزمة، وحتى قبل تفشي "جائحة كورونا"، فالشراكة الإستراتيجية الإماراتية مع الصين وروسيا تسبق هذه الظروف الدولية، ولا علاقة لها بإعادة التموضع الإستراتيجي على خلفية تراجع النفوذ الأمريكي بل لها علاقة وثيقة بتوسيع دائرة التعاون الدولي، بما يصب في مصلحة الإقتصاد الإماراتي، ولهذا فإن القيادة الإماراتية عندما تتحرك باتجاه روسيا، فهي تنطلق من موروث إحترام وتقدير متبادل عبر عنه الرئيس بوتين خلال استقباله لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في سانت بطرسبرغ.

الدور الإماراتي، وكذلك السعودي، في هذه الأزمة لا ينطلق من مصالح ذاتيه بالمقام الأول، رغم أن هذا الهدف مشروع وقائم بالفعل على الأقل لجهة تجنيب العالم المزيد من الفوضى وتحقيق الإستقرار في أسواق الطاقة والتجارة العالمية، التي يعد البلدان لاعبان بارزان فيها، بل ينطلق من نزع فتيل التوترات في أزمة تتسع بشكل تدريجي ملحوظ، ولا يحتاج التدخل الدبلوماسي فيها إلى قوى كبرى بقدر ما يحتاج إلى حكماء وعقلاء يمتلكون موروثاً من الخبرات السياسية والدبلوماسية وقبولاً يؤهلهم لطرح مقترحات وبدائل ومخارج يمكن أن تسهم في ايجاد حلول، أو على الأقل يسهمون في تهدئة الأجواء والحيلولة دون المزيد من التصعيد العسكري.

إحدى معضلات الأزمة الأوكرانية أن الغرب يدفع باتجاه تقسيم العالم "مع أو ضد" وهذا الأمر لا يسهم في تهدئة الأجواء، بل لا يضمن مصالح الغرب ذاته، لأننا نجد على سبيل المثال، مستوى التراجع في النفوذ الغربي في قارة إفريقيا لمصلحة روسيا، حيث يكتسب النفوذ الروسي المزيد من الأرض بمرور الوقت لاعتبارات وأسباب لسنا بصدد مناقشتها هنا، ولكنه الواقع الذي لا يصب في مصلحة الغرب مطلقاً، كما نتابع جميعاً كيف أن الولايات المتحدة تنصب حليفاً تاريخياً مثل المملكة العربية السعودية هدفاً للعداء الذي تفتعله دوائر الديمقراطيين الأمريكيين لأسباب انتخابية محضة من دون مراعاة مصالح إستراتيجية أعلى وأهم لبلادهم.

من الضروري أن يعيد الغرب حساباته وترتيب أوراقه بشكل عاجل لأن استمرار هذه الوتيرة من الاندفاع السياسي غير المحسوب في إدارة العلاقات مع دول العالم، وليس مع الحلفاء فقط، يعجل بانهيار النفوذ الغربي، لأن كل مساحة جيوسياسية يخسرها الغرب يكسبها منافسوه الاستراتيجيين، واعتقد أن هذه لعبة خاسرة يشارك فيها قادة يفتقرون إلى التقدير الجيد لقيمة التعاون والشراكات الدولية القائمة، ولا يستطيعون قراءة التغيرات التي طرأت ـ ولا تزال ـ على النظام العالمي، ويتفاعلون معها بالشكل المناسب الذي يضمن تحصين المصالح الاستراتيجية لدولهم والحفاظ عليها في مواجهة رياح التغيير العاتية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي