: آخر تحديث

قرغيزستان وطاجيكستان.. حروب الحديقة الخلفية!

18
20
18

ما تجدد من صراع على الحدود بين من جمهوريتي آسيا الوسطة؛ قرغيزستان وطاجيكستان قبل 3 أيام عبر  ما تفاجأت به الحدود الطاجيكية من قصف قرغيزي مباغت على حدودها، يمكن القول أنه كان باستمرار صراع حدود رويتني يتجدد، منذ أن استقل البلدان عن الاتحاد السوفياتي في أوائل التسعينات، وكان آخر صراع حدودي بينهما العام الماضي 2021 على حدود تبلغ 1000 كيلومتراً لم يتم تحديد 30% منها حتى اليوم. وبالرغم من الاعتداء الظاهر الذي ابتدأت به جمهورية قرغيزستان عبر قصف قرىً ومدن طاجيكية على الحدود ومقتل أبرياء، وعلى الرغم من أن طاجيكستان لا زالت ترغب في إنهاء هذه الحرب الحدودية سلمياً، إلا أنه هناك أجندات استراتيجية تتداخل في صراع النفوذ والحماية بين البلدان، لهذا بدا واضحاً أن تركيا كانت قد زودت جمهورية قرغيزستان بطائرات بيرقدار المسيرة، لأسباب ربما لعب فيها الميل إلى التكوين الإثني التركي لقرقيزيا دوراً! 
ولعل في الجدول الزمني للاعتداءات والانتهاك لحدود دولة طاجيكستان من قبل قرغيزستان ما يؤشر إلى إرادة موجهة لهذه الحرب المباغتة. 

بتاريخ 14 سبتمبر 2022م شرعت الوحدات العسكرية لقوات حرس الحدود التابعة للجنة الدولة للأمن للوطني لجمهورية قيرغيزستان، دون أي سبب، في قصف مخفر "كيخ" الحدودي التابع لقوات حرس الحدود التابعة للجنة الدولة للأمن الوطني في جمهورية طاجيكستان والواقع بقرية "فاروخ" بمدينة إسفرة. وخلال هذا العمل العدواني غير المبرر، استخدم الجانب القيرغيزي مدافع الهاون والمدافع الرشاشة والأسلحة النوعية الأخرى، حيث إن القصف أسفر عن مقتل جنديين من القوات المسلحة الطاجيكية. وفي الوقت نفسه، قام الجانب القرغيزي بنقل قوات إضافية ومعدات ثقيلة إلى المناطق الحدودية.  وقد اضطر الجانب الطاجيكي للرد على النيران. 

وبالرغم من الاتفاق المسبق بين البلدين على خفض التصعيد وانسحاب القوات الإضافية، عاد العسكريون القرغيزيون يوم 16 سبتمبر، الساعة 4:50 صباحًا بقصف مركز "دوشنبه" الحدودي بالأسلحة الثقيلة. وفي الوقت نفسه، شنّ الجنود القرغيز هجوماً مسلحاً على مناطق مأهولة بالسكان مثل "خواجه أعلى" و"كومازور" و"سورخ" و"سامانيان" وغيرها، وعند القصف المكثف على المناطق السكنية لقرية "شارقشلاق" في مدينة إسفره، استخدم الجانب القرغيزي معدات ثقيلة، بما في ذلك مركبات مشاة قتالية والمدرعات.
وكان هناك اتفاق لوقف إطلاق النار بين البلدين تم التوصل إليه على مستويات مختلفة من السلطات العسكرية والمدنية ، وكذلك خلافا للتعهدات التي قدمها رئيس جمهورية قيرغيزستان صدير جاباروف خلال الاجتماع مع رئيس جمهورية طاجيكستان إمام علي رحمان بمدينة سمرقند على هامش قمة منظمة شانغهاي للتعاون، بالرغم من ذلك أطلق الجيش القرغيزي النار ودمر بشكل كامل مباني لمدرستين ثانويتين مدينة إسفره. كما لجأ الجانب القرغيزي إلى استخدام طائرات هليكوبتر قتالية وطائرات بدون طيار من طراز (بيرقدار تي بي 2) لقصف أراضي جمهورية طاجيكستان. ونتيجة لذلك، تم قتل 6 مدنيين من طاجيكستان إلى جانب  غارة بالمسيرات على مبنى لمدرسة في مركز "آفتشي قلعتشا" بمنطقة "باباجان غفوروف" نجم عنها  مقتل12 مدنياً من مواطني طاجيكستان وجُرح أكثر من 20 شخصاً، من بينهم طفل، فيما ظل الجانب القرغيزي يقوم بنشر مقاطع فيديو لغارات المسيرات على أهداف مدنية علناً عبر وسائل الإعلام  الأمر الذي يدل على أن ثمة تخطيط من دولة قرغيزستان لتوسيع نطاق الحرب ضد جمهورية طاجيكستان خدمةً لأهداف أجندات أخرى في المنطقة لا تخدم مصلحة البلدين. 

ويبدو أن جمهورية طاجيكستان مدركةً لخطورة الحرب الحدودية هذه المرة واحتمال اتساع رقعتها خدمةً لسياق الحرب الرئيسية التي تدور بين روسيا وأوكرانيا، لهذا تبدي طاجيكستان حرصها الكبير على أن تعمل على التهدئة لتفادي المزيد من الخسائر المادية حفاظا على الأرواح من كلا الجانبين، حيث بادر الجانب الطاجيكي بإعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد  مرتين، في يوم 16 سبتمبر وبدء عملية المفاوضات، بيد أن جيش قرغيزستان تجاهل هذه المبادرات الطاجيكية، واستمر في إطلاق نار كثيف نحو المناطق الحدودية. 
وإذا كانت محاولات دولة طاجيكستان المستمرة في وقف الحرب الحدودية في هذا التوقيت الخطير من سياق الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، هدفها تحييد الصراع الحدودي في هذا التوقيت الحرج للصراع بين روسيا وأوكرانيا،  يبدو أن الجانب الآخر في دولة قرغيزيا مدرك تماماً لما يفعل من أجندة الحرب بحيث لا يمكن نقض اتفاق وقف اطلاق النار أكثر من مرة في أقل من أسبوع واحد من الجانب القرغيزي.

فبعد عقد اجتماع لوفد طاجيكستان برئاسة الفريق أول يتيموف سيمؤمن ستاروفيتش، رئيس لجنة الدولة للأمن القومي في جمهورية طاجيكستان والفريق تاشييف كامشيبيك كديرشايفيتش، رئيس لجنة الدولة للأمن القومي في جمهورية قرغيزستان الجمعة الماضية عند معبر "رافات" الحدودي في مدينة "كانيبادام" الطاجيكية، واتفاق الطرفين إعلان وقف إطلاق النار الفوري في اليوم ذاته إلى جانب تأسيس لجنة حكومية مشتركة لكشف أسباب وملابسات اندلاع النزاعات المسلحة على الحدود، ورغم عقد اجتماعات لقيادات سلطات إنفاذ القانون وإعلان وقف إطلاق النار بين البلدين، إلا أن الجانب القرغيزي عاد بعد ساعة ونصف من إعلان وقف إطلاق النار إلى نقض الاتفاق وإطلاق النار مرة أخرى من أسلحة ومعدات عسكرية متطورة في اتجاه منطقة "أوتشي -قلعة" بمدينة "باباجان غفروروف" ومنطقة "واروخ" وتشوركوه" بمدينة "اسفرة" الطاجيكية.

وفي ضوء كل هذه المعطيات يبدو أن ما تجدد من صراع حدودي بين كل من قرغيزستان وطاجيكستان لا يمكن قراءته هذه المرة من زاوية أنه صراع حدودي تقليدي فحسب، بل يمكن القول أنه صراع متزامن مع صراع تجدد في الأسبوع ذاته بين جمهوريتي أذربيجان وأرمينيا الأمر الذي لا يؤشر على أن عنصر المفاجأة في انفجار الصراعين التقليديين في بلدان ثلاثة منها أعضاء في منظمة الأمن الجماعي (وهي تحالف عسكري بين دول في آسيا الوسطى تقودها روسيا) لم يكن هذه المرة بعيداً عن سياق الحرب الجارية منذ فبراير الماضي بين روسيا وأوكرانيا. 

وإذا كانت روسيا هي التي تلعب دائماً دور الإطفائي في كل جولات الحروب الحدودية بين البلدان الأربعة، يمكننا اليوم أن نقول أن هاتين الحربين بين البلدان الأربعة لها علاقة قوية بما يجري في ساحات المعارك بين روسيا وأوكرانيا، بمعنى أن هاتين الحربين بين كل من قرغيزستان وطاجيكستان، من ناحية، وأذربيجان وأرمينيا، من ناحية ثانية، ربما لن تكونا حرباً خاطفة – كما كانت من قبل – بل الأرجح أنها ستكون حرباً مستمرةً على هامش حرب كبرى تخوضها كل من روسيا وأوكرانيا أصالةً، فيما يخوضها الغرب (أمريكا وأوروبا) ضد بوتين من وراء الكواليس وعبر الدعم اللامحدود لأوكرانيا. فعنصر المفاجأة الذي كان عنصراً غريباً في هاتين الحربين عكس إرادةً خفيةً لها علاقة بتحريك القوى الكبرى ذات المصالح الاستراتيجية في سياق الصراع الأصلي بين كل من أوكرانيا وروسيا. 

إن ما حدث من غزوٍ لدولة أوكرانيا من قبل موسكو ، كان واضحاً أنه مؤشر لحرب على حدود أوروبا، وحرب على هذه الشاكلة هي مما لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، وفي الوقت نفسه كانت هناك مصالح استراتيجية كبرى لأوروبا  في مجال الطاقة مع روسيا عبر شبكة معقدة من امدادات النفط والغاز، حيث حسبت أوروبا أن نتائج الحرب الباردة  بهزيمة الاتحاد السوفيتي قد قبرت الطموح الإمبراطوري لروسيا، ولكل ذلك فإن الحرب الدائرة اليوم بين روسيا وأوكرانيا هي حرب ستكون لها نتائج مؤثرة على العالم كله، وعلى أوروبا على نحوٍ خاص. 

وفي ظل الهزائم التي مني بها الجيش الروسي مؤخراً على يد الجيش الأوكراني واستعادة أوكرانيا لأكثر من 6 آلاف كيلومتر كانت بيد الروس، والتهديدات المزعجة من موسكو في التلويح بحرب نووية تكتيكية، قد تخلط الأوراق، ومع حرص حلف شمال الأطلسي (الناتو) على عدم التدخل المباشر في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، إلا أن امكانية تدخل روسيا في مهاجمة إحدى دول البلطيق الأعضاء في الناتو ربما يجر إلى حرب عالمية ثالثة، لهذا في تقديرنا أن تحريك الحديقة الخلفية لروسيا بإعادة إحياء الصراعات الحدودية بين دول أعضاء في منظمة معاهدة الأمن الجماعي هو جزء من خطة أوروبية لإرباك أوراق موسكو وحرفها عن أي قرار مفاجئ بمهاجمة إحدى دول البلطيق التي ستعني بالضرورة انخراط الناتو في الحرب ضد روسيا! فقد كان واضحاً أن تصريحات رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي الداعمة لدولة أرمينيا ضد أذربيجان هي الشق الأمريكي من خطة خلط الأوراق الساعية إلى إلهاء روسيا بتداعيات حرب بلدان منظمة الأمن الجماعي على تخومها، وعلى نحوٍ قد يطوِّل من أمدها لتصبح تداعيات حروب البلدان الأربعة عبئاً جيوسياسياً على مخططات بوتين، الأمر الذي قد يفرض على بوتين تنازلات قد تحفظ ماء وجهه وتجعل له مخرجاً من الورطة التي تورط بها في أوكرانيا. 

وإذا كانت لعبة صراع الحدود بين دول بلدان آسيا الوسطى؛ هي لعبة موسكو المفضلة للإمساك بخيوط وضغوط فيها أوراق رابحة، فإن هذه اللعبة اليوم أصبحت بإدارة قوى أوروبية وأمريكية مدركة لطبيعة مواجهة بوتين في أوكرانيا! إن الصراع الحدودي الذي اندلع فجأة بين الدولتين المسلمتين في آسيا الوسطى (قرغيزستان وطاجيكستان) هذه المرة هو جزء من صراع كبير في أوروبا، ومعركة كسر عظم بين الرئيس الأمريكي جو بايدن، والرئيس الروسي بوتين. ويأتي في ظل الظروف التي أدت إلى نتائج عكسية لأهداف الرئيس الروسي بوتين من غزوه لأوكرانيا، فإذا كانت روسيا هي القائد الذي أسس منظمة معاهدة الأمن الجماعي للتحكم بالنفوذ الجيوسياسي لتلك الدول، والجار العملاق الذي يهدد كل من السويد وفنلندا عبر حدود شاسعة؛ فإن طلب كل من السويد وفنلندا الانضمام إلى حلف شمال الأطلس "الناتو" هو من التداعيات العكسية لحرب بوتين على أوكرانيا، لذا نعتقد أن قيام الحربين بين دولتي قرقيزيا وطاجيكستان، من ناحية، وأرمينيا وأذربيجان، من ناحية ثانية هي، هذه المرة، جزء من خطط الحرب ضد روسيا وعدوانها على أوكرانيا! وتحريك للحديقة الخلفية لروسيا!   
 

#فضاء-الرأي


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في