: آخر تحديث

ما قاله غورباتشوف من خيبات الأمل قبل وفاته

25
30
28

"اذكروا محاسن الراحل غورباتشوف"

قبل ثلاثة عقود  قرأت ما قالهُ ميخائيل غورباتشوف خلال القمة السنوية الثانية عشر للفائزين بجائزة نوبل للسلام والتي انعقدت في الولايات المتحدة الاميركية حيث اطلق العنان لخطابه خلال كلمته التي ألقاها في جامعة "إلينوي" في شيكاغو معلنا عن خيبة أمله من النظام العالمي الجديد لعدم تحقيق الاهداف التي حصل من أجلها على جائزة نوبل للسلام عام /1990 وطالب بإرساء نظام عالمي جديد اكثر استقرارا وعدلا واكثر إنسانية مبديا حذره من ان هناك تحديات هائلة تواجه تحقيق هذا الغرض ؛ فالاسلحة النووية لا تزال تهدد العالم بالتدمير الشامل وهناك المليارات من البشر تكتوي بنار الفقر والحرمان ناهيك عن المشاكل البيئية الكثيرة التي تعاني منها المعمورة كمشكلة تغيير المناخ والتلوث البيئي الذين أثرا وحرما الكثير من الناس من التمتع بهواء وماء وغذاء نظيف وخال من التلوث.
وقال الراحل غورباتشوف في إحدى فقرات خطابه: "بصفتنا الحائزين على جائزة نوبل فان لدينا الحق بالتحدث بصوت عالٍ ولا بد من اتخاذ موقف عملي صارم للحد من المشاكل والاضطرابات التي تعاني منها البشرية". 
وأوضح ان الحكومات تجاهلت الالتزامات الدولية التي قطعتها امام الامم المتحدة وامام مواطنيها واتخذت موقفا متعاليا على شعوبها واستخدمت ما وصفها بـ (الحيل القديمة) لاسكات اصوات الشعوب المقهورة واكد على وجوب الاتحاد بين الناس المسحوقين والتضامن معا وان نعمل بحزم لتغيير العالم نحو الافضل.
هذا السياسي الجريء لم يكن يهدأ ابدا رغم شيخوخته وتجاوزه التسعين من العمر وكثيرا ما كان يكيل الاتهامات لتلميذه القيصر الطموح فلاديمير بوتين / زعيم حزب روسيا الموحّدة بالتلاعب بنتائج الانتخابات التشريعية التي جرت اواخر السنوات الماضية ودعاه مرارا الى التنحي امام موجات التظاهرات المناهضة له وترك السلطة حيث وقف الجمع الغاضب ساخرا منه ؛ والجماهير تهتف متسائلة ؛ ألم يكفِه انه رأسَ روسيا حقبة من الزمن ورأسَ الحكومة حقبة اخرى بعدها وها هو الان يريد ان يعود رئيسا لروسيا مرة ثالثة ورابعة وقد عاد فعلا بعنجهيته متحديا رغبة الجماهير التي تنادي باسقاط بوتين وعدم فسح المجال له للتلاعب بنتائج الانتخابات التشريعية المقبلة بعد ان ثبت وتأكّد قيامه مع مريديه بتزوير الانتخابات التشريعية السالفة كما يدعي غورباتشوف نفسه. ولم يكتفِ بذلك بل اشعل حربا ضروسا ضد اوكرانيا نافخا أوداجه مدّعيا انه يحافظ على روسيا من زعزعات الغرب ويستخدمون كييف ومسؤوليها لعبةً وجرجرتها الى الناتو.
ورغم ان بعض الروس يحمّلون غورباتشوف مسؤولية تفكيك الاتحاد السوفياتي السابق وانهياره حيث يتهمونه انه لعب دورا كبيرا بالتنسيق مع الولايات المتحدة خلال رئاسة رولاند ريغان الا انه ينفي نفيا قاطعا هذا الاتهام حيث قال: "لم أقم بشيء سوى انني رفعت غطاء القِدْر الذي كان يغلي".
والحق ان غوباتشوف قبل تفكك الاتحاد السوفياتي في الخامس والعشرين من كانون الاول /1991 كان يتطلع لاجراء تغييرات في بنية المجتمع السوفياتي منذ ان عُيّن سكرتيرا عاما للحزب الشيوعي السوفياتي عام /1986 حيث بدأ بإجراء اصلاحات شاملة في اقتصاد البلاد وأرسى نظما جديدة في الحياة العامة لم يألفها الشعب السوفياتي من قبل، ودعا لإحداث تغييرات ديمقراطية في المجتمع وطالب بزيادة النشاط السياسي لعموم الشعب السوفياتي واتخذ إجراءً جديدا يلفت الانظار من خلال قيامه بإلغاء الرقابة على الاعلام من أجل ارتقائه.
وخلال فترة قيادته دفّة الدولة تجاهل مطالب المتشددين من الديماغوغية الشيوعية والتي طالبته بسحق المعارضة المتنامية في دول الكتلة الشرقية وبالاخص المانيا الديمقراطية سابقا ولم يصغِ الى رغبات رفاقه الشيوعيين الذين طالبوه بالتدخل العاجل والتصدي للمتظاهرين الغاضبين الالمان مما أدى ذلك الى سقوط جدار برلين عام /1989.
ولم تهدأ سريرة غورباتشوف فأعلن مصارحة شعبه بما يجري من تغييرات في هذا العالم الساخن او ما سُمي بـ (الغلاسنوست) في المصطلح السياسي الروسي وكثرت دعواته الى ضرورة إعادة هيكلة الدولة وبناء اسس جديدة من العلاقات الدولية مع امريكا والغرب عموما او ما اصطلح عليه بـ (البروسترويكا) ومحاربة الجمود العقائدي وكان ابرز المؤسسين لهذا المفهوم السياسي الجديد على الشعب السوفياتي والتي على اثره أنهت شبح الحرب الباردة التي كانت قائمة بين المعسكر الشيوعي والمعسكر الرأسمالي وقد أتت البرسترويكا أكلها بعد ان وقّع بوريس يلتسين على اتفاقية حلّ اتحاد الجمهوريات السوفياتية وعلى اثر هذه الانجازات الكبيرة والتي يسمونها الخصوم بـ (التراجعات المفجعة) حصل هذا الشيوعي الصديق الحميم لليبرالية على جائزة نوبل للسلام عام /1990.
ومع كل هذه التغييرات الدراماتيكية المهولة التي عصفت بالاتحاد السوفياتي السابق فقد بقي غورباتشوف وفيّا لبلاده طامحا لتغييرها ونموّها كي تلعب دورا بارزا في العالم نابذا سياسة القطبين القويين المتنازعين التي أرعبت الشعب السوفياتي قبل ان ترعب الغرب خوفا من اعلان الحرب بين لحظة واخرى إذ كان العالم على شفا حفرة من الجحيم.
ومنذ عام /1992 وحتى قبل وفاته رأس غورباتشوف المؤسسة الاجتماعية الدولية للدراسات الاقتصادية ونمو المجتمع وشارك في الكثير من الانشطة العامة والخيرية في بلاده وفي العالم،  ولم ينسَ العودة الى النشاط السياسي لكنه فشل في ترشيح نفسه وخوضه للإنتخابات في مجلس الدوما الروسي كما حاول الترشيح في الانتخابات الرئاسية لكنه فشل ايضا لان الكثير من عتاة الشيوعية الروس يرونه على غير ما يراه الغرب الليبرالي.
عسى ان يرحمه الروس الان ويعيدوا اعتباره خاصةً في هذا الظرف الحرج وبلادهم مبتلية بحربٍ لا طائل من ورائها منذ ان بدأت قبل اكثر من ستة شهور ولا أمل في وضع أوزارها على الاقل  في الوقت الحاضر.



[email protected]


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في