: آخر تحديث

الأدلجة بالميمز

36
42
28

كلمة أدلجة مشتقة من الكلمة اليونانية أيديولوجيا، والتي تعني بشكل مباشر علم الأفكار، وعرفها البعض بأنها «منظومة التصورات والاعتقادات والنظريات، التي تبنى عليها حياة الأفراد والمجتمعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية».

ولها تعريف أخر وهو أنها «منظومة الأفكار التي يؤمن بها أي شخص وتعكس نظراته لنفسه وللآخرين».

إلا أن التعريف الأكثر تكاملًا يحدد الأيديولوجيا بأنها «النسق الكلي لـلأفكار والمعتقدات والاتجاهات العامة الكامنة في أنماط سلوكية معينة».

يُعد دي تراسي أول من وضع هذا المصطلح في عصر التنوير الفرنسي، في كتابه «عناصر الأيديولوجية».

والأدلجة هي ترسيخ مجموعة من القيم والمفاهيم والأفكار والرؤى المرتبطة بأيديولوجيا معينة بعدة صور وأشكال باتجاه شخص أو مجموعة بغية جعل هذا الفرد أو المجموعة ممن يؤمن بهذه الأيديولوجيا.

ويمكن القول كذلك، بأن الأدلجة هي القيام بضخ مجموعة من القيم والمفاهيم والأفكار والرؤى المرتبطة بأيديولوجية معينة بعدة صور وأشكال (مثل الأعلام) باتجاه شخص أو مجموعة، بغية جعل هذا الفرد أو المجموعة ممن يؤمن بهذه الأيديولوجيا مما ينتج في النهاية عن القيام بأعمال مرتبطة بهذه الأيديولوجيا.

وأعرفها أنا بأنها عملية إستهداف مُنَظمة ومخطط لها، تسعى لإقناع وترسيخ قيم وأفكار أيديولوجيا محددة في مجموعة بشرية عامة او خاصة وجعل هذه المجموعة تعتنق وتؤمن بهذه الأفكار بل وتدافع عنها.

ومن الواضح أن الأدلجة عملية معقدة وصعبة في الماضي، لكن مع التطور الرقمي ظهرت أدوات جديدة حدَت من صعوبتها، فبات من السهل الترويج لأي فكرة أو معتقد بإستخدام الميمز، إن أضفاء صبغة كوميدية تجعل من السهل على الفرد أن يتقبل الأفكار المعقدة والمخالفة له، وغالبًا يتم ذلك حتى دون علمه وتمر تلك الأفكار لعقله الباطن وسرعان ما يظن فيما بعد أنها أفكار عادية ولا ضرر منها ولا تمثل بالنسبة له تهديدًا وجوديًا يمس فكره وثقافته ومعتقداته، لأنها ارتبطت أرتباطًا شَرْطِيًا بالكوميديا والضحك، فيصبح فيما بعد متقبلًا أو على الأقل غير غاضب منها ومستنكرًا لها.

حديثاً انتقل فن «الكوميكس» من المجلات إلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ليعرف باسم «الميمز»، أمّا مفهوم هذا المصطلح الإلكتروني فهو عبارة عن صور مركبة تحمل تعليقاً قصيراً وساخراً، يحدد الفكرة المراد إيصالها، وأول انتشار عالمي له كان على «فيسبوك»، لتقديم النكات، وخصوصاً تلك التي تتناول المشاهير، سواء في الفن أو السياسة أو غيرهما.

مع وسائل التواصل الاجتماعي، استطاعت رسوم «الكوميكس» إيجاد حيز لها في العالم الرقمي بحلة جديدة، وتحت مسمى «الميمز». كما استطاعت تحطيم قيمتها الفنية الحقيقية، من رواية الأحداث بشكل كادرات متتابعة توصل رسالة معينة، إلى كونها مجرد رسوم وصور ساخرة تحقق أرقاماً غير مسبوقة في نسب مشاهدتها.

وأصبحت الميمز بالنسبة لمشاهديها متنفساً لهم بعيداً عن ضغوط الحياة اليومية، من خلال تداول هذه الصور فيما بينهم. وأصبحت هذه المواقع مسرحاً حراً لمشاهير هذا النوع من الفن، ينشرون في صفحاته صوراً مستوحاة من أفلام كوميدية أو تصريحات لإحدى الشخصيات العامة، والتعليق عليها في قالب كوميدي.

ومن الممكن تعريف الميم بأنه «منشور على الشبكة العنكبوتية له شكل محدد قد يكون على شكل صورة، رابط تشعبي، فيديو، موقع، أو هاشتاج أو صوت أو مجرد كلمة أو عبارة ويحمل في طياته تعبيرًا أو تلميحًا تجاه قضية أو موضوع ما ولكن بشكل كوميدي ومرح وساخر»، ويتم تداول الميمز عادةً بين فئة الشباب بل ومن خلاله يعبر الشباب أن ألامهم والعقبات التي تواجههم في الحياة، وعند تصفح أي تطبيق تواصل اجتماعي،  تيك توك على سبيل المثال سنجد الألاف من مقاطع الميمز المنشورة، والتي تتناول موضوعًا ما أو تسخر من شيء ما.

ويتميز الميمز بانه فيروسي الإنتشار، أي سريع وقوي الإنتشار لاسيما إذا كان يتمحور حول موضوع يشغل الرأي العام، ويستخدم المتخصصون بالتسويق الميمز للترويج والدعاية للمنتجات والخدمات، وعلى نفس النهج،  يستخدم أصحاب الأيدولوجيات،  الميمز لنشر عقائدهم وما لديهم من أفكار وأجندات، ومن خلال بحث بسيط ستجد الكثير من الميمز على الإنترنت التي تلمح أو تشير لأيديولوجيا معينة، لقد أصبحت الميمز جزءًا لا يتجزأ من الحرب النفسية والفكرية في الفضاء الرقمي  وقوة ناعمة يمكن توظيفها لتحقيق مصالح وغايات.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي