: آخر تحديث

قيس سعيد وتحديات ما بعد الدستور الجديد  

46
33
28
مواضيع ذات صلة

يتفق جلّ التونسيين على أن أفضل ما فعله قيس سعيّد على مدى الثلاث سنوات الماضية هو حلّ البرلمان وابطال العمل بدستور عام2014، والذي اتضح أنه وُضع من قبل الذين صاغوه، وفي مقدمتهم حركة النهضة الإسلامية لتفكيك الدولة، ونشر الفوضى المدمرة، وتفجير النزاعات والخلافات والفتن. لذلك خرج التونسيون ليلة الخامس من شهر يوليو-تموز من السنة الماضية بأعداد وفيرة في جميع المدن والقرى للاحتفال بذلك القرار الذي انتظروه طويلاً.  

باستثناء ذلك، لم يقم قيس سعيد بأيّ عمل آخر بمثل تلك الجرأة، وبمثل تلك القدرة على ادراك حقائق الواقع التونسي، والاستجابة الفورية لمطالب  الشعب التونسي. وفي كل مرة ترتفع فيه الأصوات لانتقاد تردده، وتماطله في اتخاذ القرارات بشأن العديد من القضايا الحارقة، يخرج للناس ليحدثهم بلغته الفصيحة الثقيلة عن المؤامرات والدسائس التي تٌُحاكم في "الغرف المظلمة"، وعن  الفخاخ التي نصبها له أعداؤه لعرقلة عمله، مُحمّلا  الأحزاب، وفي مقدمتها حركة النهضة الإسلامية مسؤولية عشر سنوات من الخراب والدمار على جميع المستويات.  

لكن بعد أن صوتت نسبة من التونسيين ( 25 بالمائة ) يوم 25يوليو -تموز الماضي لصالح الدستور الذي صاغه هو بنفسه، فإنه لم يعد هناك لقيس سعيد أيّ مبرر للتردد أو التهرب من مسؤوليته في مواجهة التحديات الراهنة.  

وأول هذه التحديات هو إعادة المهابة للدولة التي تم تفكيكها، وضرب مؤسساتها، وتفتيت قدرتها على مواجهة أعدائها المتربصين بها، والذين يسعون في الخفاء وفي العلن لكي تظل على حالة من الهوان الضعف بحيث يسهل عليهم تنفيذ أهدافهم وأغراضهم الدنيئة.
وبطبيعة  الحال، لن يكون الأمر سهلا ، لكن على قيس سعيد الذي أصبح يتمتع بصلاحيات واسعة التي يضمنها له الدستور الجديد، أن يعمل على أن تكون الدولة قادرة مستقبلاً على حفظ الأمن والاستقرار في البلاد، وعلى المحافظة على السلم الاجتماعي، وعلى إنهاء الاحتجاجات والاضرابات العشوائية التي دمرت الاقتصاد الوطني، وألحقت به أضرارا جسيمة.  

وعلى قيس سعيّد أن يولي أهمية بالغة لمعالجة الوضع الاقتصادي لأن الخزينة العامة باتت على وشك الإفلاس. ومثل هذا الوضع لا يتطلب خطبا جوفاء، وشعارات فارغة، ووعودا كاذبة، بل إجراءات حاسمة  تعتمد على برامج قصيرة وطويلة المدى، وعلى مطالبة التونسيين بالعودة إلى العمل لوضع حد للفوضى والتسيب والكسل "الثوري". ولن يستعيد الاقتصاد التونسي عافيته إلاّ  في ظل سلم اجتماعي طويل المدى. ولن يتحقق ذلك إلاّ حين يُكلف الجيش الوطني بحماية مناطق الفسفات والنفط في الجنوب التونسي. 

وينتظر التونسيون الذين صوتوا لصالح دستوره، أن يقوم قيس سعيد بفتح ملفات الفساد الذي استفحل خلال العشرية الماضية بشكل لم يسبق له مثيل، ومحاكمة الضالعين فيه من سياسيين ورؤساء أحزاب ورجال أعمال ومسؤولين كبار في أجهزة الدولة ومؤسساتها، ونواب برلمانيين سابقين، وغيرهم من الذين جعلوا من الفساد وسيلة للإثراء، وخدمة مصالحهم الخاصة.     

وعلى قيس سعيد أن يدرك أن طريقته في إدارة شؤون الدولة أثبتت إلى حد هذه الساعة عجزه عن مواجهة الأزمات والتحديات الصغيرة والكبيرة. وقد يعود ذلك إلى توهّمه بأنه قادر وحده على "تحقيق المعجزات".
لذلك هو يثق في من يصفقون له، ويمجدون "ّنظافته ونزاهته"، ويغلق الباب في وجوه النخب، والخبراء الاقتصاديين الكبار، ويبعد عنه المستشارين الذين لا يترددون أحيانا في انتقاده، وتوضيح ما هو معقد بالنسبة له، وابلاغه بالحقائق التي تصدمه، وتخيفه.
لذلك يجدر بقيس سعيد أن يكون واعيا بكل هذا، وأن يقبل بأن يكون محاطا بمستشارين عارفين بإدارة شؤون الدولة في جميع المجالات، وبخبراء اقتصاديين كبار يُعدون له البرامج الناجعة لمعالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وبنخب فكرية تساعده على فهم مقتضيات الواقع التونسي في جميع تجلياته.

أما أن يظل في قصر قرطاج وحيدا من دون مساعدين ومن دون مستشارين ومن دون كفاءات عالية، فإنه سينتهي هاذيا في معابر القصر الجمهوري بما لا يعلم ولا يدري مثل البطريق  في رواية ماركيز الشهيرة :"خريف البطريق".   


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي