: آخر تحديث

الحصاد المُرّ لِعام الجائحة 

59
63
60
مواضيع ذات صلة

عامٌ مفصليّ يُؤرخ لأزمةٍ لم يكن لها بحقٍ مثيل في التاريخ الحديث، حيث أرخى وباء كوفيد 19 بظلاله على كافّة مناحي العيش على الأرض، وأحدث تغييرات جذرية واسعة النطاق في حياة البشر، ولا زالت تأثيرات تلك الجائحة وتداعياتها مستمرة على الصُعد الإنسانية والتنموية والاقتصادية كافّة، وفعلت ما لم تفعله الأزمات العالمية السابقة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وليس من المتوقع أن يتّضح النطاق الكامل لتأثيرات هذا الوباء إلا في الأعوام القادمة، مع تضافر الجهود العلمية الدولية لسبر البيانات وتحليلها للتمكُّن من تطوير أدوات تلبي احتياجات الانسان للتكيّف مع أنماط العيش الجديد، الذي فرض التباعد الاجتماعي وحتّم الاغلاقات الجزئية او الكلية لبعض القطاعات، كما ألزم ارتداء الكمامات و فرض تغييرات جذرية على سلوك البشر في معاشهم اليومي. 

و بالاستناد الى التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية و بيانات البنك الدولي ومنظمة الفاو فإنه يمكن استخلاص الكثير من النقاط المحورية من الحصاد المرّ مع انقضاء عام 2020 أهمها : 
أولاً: أن عدد الوفيات بسبب كورونا حول العالم قارب المليون و سبعمئة ألف وأن تطور الوباء يشكل خطر كبير لعودة انتشار جديد في الأسابيع والأشهر الأولى من 2021. 
ثانيًا : شهد العام سباقًا محمومًا لتصنيع اللقاح للفيروس المسبب للوباء بين كبرى شركات الأدوية العالمية ومن ورائها مراكز الأبحاث العلمية المتخصصة بالعلوم الوبائية، وانتهى ذلك الى ظهور لقاحات عدة، وهي بالقدر الذي تعد بالأمل فإنها تثير المخاوف والشكوك كونها تعتمد تقنية جديدة كليًّا لم تُستخدم في اللقاحات من قبل وأشهرها ما اطلقته شركتا "مودرنا" و"فايزر". وهو اللقاح الذي يستخدم مادة وراثية تُعرف باسم "الحمض النووي الريبوزي المرسال" ويعمل على تحفيز الجسم على إنتاج أجزاء من البروتين تشبه قطع من فيروس كورونا وتحفيز الاستجابة المناعية. 
اما لقاحا شركة "سينوفارم" و "سينوفاك " فهي تعتمد نهج اللقاحات القديمة حيث تستخدم فيروساً كاملاً معطلاً لحث الجسم على تطوير استجابته المناعية. 

ثالثًا : انطلاق حملات التطعيم ضد الوباء في الدول المتطورة وسط مخاوف من حرمان الدول الفقيرة منه،وقد بدأت كل من بريطانيا والولايات المتحدة وكندا وروسيا وغيرهم بإطلاق حملات التلقيح فعليًا. ففي الولايات المتحدة انطلقت حملة التلقيح بإعطاء لقاح " فايزر" وشملت المرحلة الأولى نحو ثلاثة ملايين شخص، فيما الهدف هو تلقيح 20 مليون شخص بالمجمل خلال هذا الشهر مع الوصول الى نحو مئة مليون قبل نهاية مارس المقبل. أما روسيا قد بدأت بإعطاء لقاح "سبوتنيك - في" الروسي للعاملين الاجتماعيين والطواقم الطبية والمدرّسين في موسكو. علما ان هذا اللقاح لا زال في المرحلة الثالثة والأخيرة من التجارب السريرية. وكانت بريطانيا أول من رخص لقاح "فايزر – بايونتيك" الأميركي الألماني كما انطلقت عمليات التلقيح فيها في الاسبوع الاول من ديسمبر. أما التلقيح في الدول الفقيرة فلا زال غير متوفر، حيث تعكف منظمة الصحة العالمية وغيرها من المؤسسات على استكمال تقييم احتياجات اكثر من مئة دولة نامية لاطلاق عمليات تمويل لحصول تلك الدول على حصتها من اللقاحات. 

رابعًا : ازدياد الفقر المدقع حول العام وازدياد عدد الفقراء الذين يعيشون على أقل من 1.90 دولار في اليوم الواحد، ففي أحدث تقرير صادر عن البنك الدولي إشارة إلى سقوط 88 مليون شخص آخر في الفقر المدقع هذا العام، وان هذا الرقم قد يرتفع إلى 115 مليوناً حيث من المتوقع أن تكون أكبر شريحة من "الفقراء الجدد" في جنوب آسيا، تليها مباشرة منطقة أفريقيا جنوب الصحراء.

خامسًا : ارتفاع كلفة الرعاية الصحية حول العالم لا سيما في الدول الفقيرة والنامية حيث يدفع الناس أكثر من نصف تريليون دولار من مالهم الخاص ثمناً للرعاية الصحية. ويتسبب ذلك الإنفاق في مصاعب وأعباء مالية لأكثر من 900 مليون شخص، مما يؤدي الى سقوط حوالي 90 مليون شخص منهم تحت حافة الفقر سنويا، وهي دينامية من المؤكد تقريباً أنها تفاقمت بسبب الجائحة.

سادسًا : فقدان الأمن الغذائي حيث أدت الجائحة إلى زيادة العدد الإجمالي لمن يعانون نقص التغذية ما بين 83 مليوناً و132 مليوناً في العالم في 2020، وذلك وفقاً للتقديرات الأولية لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو).

سابعًا : تراجع النشاط الاقتصادي حيث أدى انتشار الوباء وفرض الاغلاقات العامة والتوقف شبه التام للرحلات الجويّة الى أزمة عالمية لا مثيل لها أفضت إلى أشد ركودٍ شهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية. وبحسب البنك الدولي فإنه حتى قبل تفشِّي الجائحة، كانت البلدان منخفضة الدخل تقريباً تعاني بالفعل من ضائقة، مما لا يتيح لها مجالاً يذكر للتحرك على صعيد المالية العامة لمساعدة الفئات الفقيرة والأكثر احتياجاً الذين تضرروا بشدة من جراء الجائحة. ولهذا السبب، دعا البنك الدولي إلى تعليق مدفوعات خدمة الديون المستحقة على أشد البلدان فقراً.

ثامنًا : تراجع التحويلات المالية التي يرسلها المهاجرون والمغتربون إلى بلدانهم الفقيرة والتي تعد من أفضل موارد النمو لبدانهم حيث أشارت التحليلات إلى انها ستنخفض بنسبة 14% بنهاية عام 2021، كما قد سجلت أوروبا وآسيا الوسطى أكبر تراجع في أعداد المهاجرين في عام 2020 وذلك للمرة الأولى في التاريخ الحديث. 

تاسعًا: تراجع فرص التعليم عالميَا وانهيارها في الدول الفقيرة، فحتى قبيل تفشِّي الجائحة، كان العالم يعاني بالفعل أزمة تعلُّم، إذ إن 53% من الأطفال في البلدان النامية يعجزون عن قراءة جملة بسيطة عند إتمام دراستهم في المرحلة الابتدائية. وفي ذروة الإغلاقات العامة فرض أكثر من 160 بلداً شكلاً من أشكال إغلاقات المدارس التي أثَّرت على ما لا يقل عن 1.5 مليار من الأطفال والشباب، وبحسب تقارير المؤسسات الدولية فمن المتوقع ان تمتد تأثيرات الوباء على التعليم لعدة عقود قادمة مما سيؤدي الى ً تقليص الفرص الاقتصادية التي ستُتاح لهذا الجيل من الطلاب على الأمد الطويل. وبسبب نقصان التحصيل الدراسي وزيادة معدلات التسرب من المدارس، من المحتمل أن يفقد هذا الجيل من الطلاب ما يُقدَّر بنحو 10 تريليونات دولار من الدخل أو قرابة 10% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وأن تبتعد البلدان أكثر عن المسار الصحيح إلى تحقيق أهدافها المتصلة بفقر التعلّم - وهو ما قد يؤدي إلى زيادة مستوياته زيادةً كبيرة إلى 63%، أي ما يعادل 72 مليون طفل آخر في سن التعليم الابتدائي.

عاشرًا: اتساع الفجوة الرقمية بين الدول، فالدول الفقيرة مازال الحصول على خدمات البنية التحتية فيها والاتصالات الرقمية محدوداً للغاية مع غياب شبكات الانترنت و تعذر الحصول على الاجهزة الالكترونية بسبب الفقر، في وقت يتجه العالم بسرعة بالغة نحو الاعتماد شبه الكلي على الخدمات الالكترونية بما فيها انظمة الدفع النقدي والمنصات الصحية. فإن البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية لا تزال متأخرةً كثيراً عن الركب، إذ بلغت معدلات انتشار الإنترنت والهاتف المحمول 20.4% في نهاية عام 2019 بالمقارنة مع 62.5% في البلدان الأخرى. 

أخيرًا، إنه عامٌ أليم حزين طال البشرية برمّتها غير أن النقاط السابقة والأرقام تنذر بكارثة حقيقية إنسانية بحقّ الدول الفقيرة لا سيما تلك التي تعاني من الحروب حيث يعيش قرابة نصف فقراء العالم في بلدان هشّة، وإنها لمسؤولية أخلاقية كبرى تقع على عاتق الدول الغنية و الدول الكبرى للمبادرة السريعة والعاجلة لاتخاذ القرارات الجرئية بوقف الحروب وانهاء الصراعات ودعم التنمية حيث تشير التوقعات المستقبلية إلى أن ثلثيّ سكان الأرض سيتجهون نحو حافة الفقر خلال العقد القادم. 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي