بينما المراقبون الدوليون يتابعون مدي صدق التنبؤات التي تتحدث عن إيجابية نتائج المفاوضات التى كانت تجري سراً – في تركيا - بين بعض قيادات المعارضة السورية المسلحة في حلب والعسكريونالروس ، إذا بالطرف الأول يطالب بهدنة " إنسانية فورية " لخمسة أيام !! يتم خلالها إخلاء من يحتاجون لرعاية طبية بإشراف من الأمم المتحدة لتلقي العلاج بعيداً عن مناطق الإقتتال ..
قبل يومين من تقديم المعارضة لهذا الطلب ، أكدت صحيفة الفينانشيال تايمز البريطانية في تقرير لها نشرته يوم 3 ديسمبر أن عناصر من هذه القيادات السورية تشارك ضمن وفد تركي في هذه المباحثات ، لن تنسحب من الميدان وستوصل الدفاع عن الأراضي التي لا زالت تحت يدها ، وأنها تخطط لتحقيق بعض المكاسب المادية والمعنوية قبل الإجتماع الوزاري لـ " أصدقاء سوريا " المقرر عقده في باريس منتصف الشهر الحالي ..
تؤكد بعض التقارير الأوربية أن قيادات المعارضة إقترحت – خلال لقاءات التفاوض – أن يتم إخراج عناصر " فتح الشام " الجهادية التى كانت تعرف باسم " جبهة النصرة " من شرق حلب مقابل وقف القصف ، دون أن يُفرض عليها الشروط التى تم بموجبها إجلاء اكثر من ثلاثة ألآف شخص مسلح ومدني من بلدة خان الشيخ إلي محافظة إدلب بموافقة من دمشق بعد أن سلموا اسلحتهم المتوسطة والخفيفة للجيش السوري ..
وتؤكد هذه التقارير من جانب آخر أن مطلب المعارضة هذا إصطدم بوجهة النظر الروسية ، التى تصر علي ..
1 – ضرورة ترحيل جميع " الإرهابيين " وليس عناصر جبهة النصرة فقط ، خاصة الأجانب منهم ..
2 – رفض وصف قيادات المعارضة للعناصر الإيرانية التى تقاتل إلي جانب القوات النظامية ، بانها هي أيضاً أجنبية ويجب إخراجها من المعادلة ..
3 – ليس هناك إستهداف من جانب الغارات الجوية علي شرق حلب ، للمدنيين وأن من لقي حتفهم منهم تم بطريق الخطأ ..
4 – إبعاد مطلب تنحية الرئيس السوري عن أجندة التفاوض ، لأنه أمر لا صلة له بوقف القتال أو بمواصلته ..
وصف سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي ضمن مؤتمره الصحفي الذي عقده يوم 6 ديسمبر إنسحاب أمريكا المفاجئ من مباحثات جنيف حول خروج كل المسلحين من مدينة حلب " بلا إستثناء بأنه " إخلال بما سبق الإتفاق عليه " وقال إن محاولة واشنطن شراء الوقت لكي يتمكن الإرهابيون من إلتقاط أنفساهم بهدف إعادة ترتيب اوضاعهم الدفاعية ، فاشلة ومكشوفة .. وختم تعليقاته بالتأكيد علي ان أي فصيل يمتنع عن تنفيذ مطلب الخروج من شرق حلب " بالحسني " سيتم القضاء عليه ..
تحت ضغوط هذا التصريح ، تقدمت بعض قيادات المعارضة المدعومة من تركيا بمطلب الهدنة الفورية .. وسارع البعض الآخر الذي يدين بالولاء لواشنطن بالإعتراض علي المطلب مدعياً أنه يمثل تنازلاً عن حقوق المواطنين المطالبة بمواصلة الجهاد حتي يسقط النظام .. وانتهزت مجموعة ثالثة ، ترفع راية الشريعة الإسلامية ، مشاهد الأوضاع المتردية وقامت بإقتحام مقارات غيرها من المنظمات وقامت بالإستيلاء علي ما بها من عتاد و مواد إغاثية بهدف فرض الأمر الواقع علي الأرض ..
كشف هذا التخبط من جانب قيادات المقاومة عن خلل في علاقاتها ببعضها البعض وعن تضارب في رؤيتها بسبب الخسائر المادية والمعنوية التى تعرضت لها البعض منها والتى اضطرت علي أثرها للأنسحاب من شرق حلب بشكل فردي او جماعي !! بل إن بعضها سلم نفسه وأسلحته للقوات الكردية في منطقة الشيخ مقصود .. وإلتزم آخرون الصمت ..
يمكن القول ايضا أن الإدارة الأمريكية أصابها تخبط من نوع مختلف .. إذ سارع وزير خارجيتها إلي عقد لقاء مكثف مع نظيرة الروسي علي هامش الإجتماع السنوي لمنظمة الأمن والتعاون في أروبا الذي عقد في مدينة هامبورج الإرعاء الماضي ، قبل أن يمضي علي إنسحاب ممثليها من مباحثات جنيف سوي أربع وعشرون ساعة ..
عدد من التقارير ترجع التخبط الأمريكي ، إلي ..
أولاً .. المرحلة الإنتقالية الحساسة الفاصلة بين إدارة تغرب شمسها تكاد تنفض يدها من مسئولية تفعيل الملف السوري وإدارة في إنتظار اليمين التي سيحلفها الرئيس الجديد ، لكي تحدد ملامح تعالمها معه ..
ثانيا .. تعامل واشنطن المهتز منذ أشهر طويلة مع حكومة روسية لا تتوقف لحظة واحدة عن إستغلال تراجعها الإستراتيجي علي مستوي الشرق الأوسط ، لكي ترسي قواعد جديدة لنوعية التعاون بين الطرفين بدءاً من يناير القادم ..
في خضم هذا التضارب .. نلاحظ أن كل الأطراف لا تُلقي بالاً لآلأف الأسر التى إضطرت لترك مدينة حلب التاريخية إلي المجهول سواء كان إلي المناطق التى تسيطر عليها القوات النظامية أم إلي غيرها ، فرغم إحتياجاها جميعاً لمراكز الإيواء ومتطلبات الحياة اليومية من غذاء وعلاج ورعاية مجتمعة .. لم تحظي إلا ببيان من أمين عام الأمم المتحدة بانكي مون طالب فيه علي إستحياء بوقف القتال ..
أكثر من ثمانون بالمائة من حلب الشرقية عاد إلي حوزة حكومة دمشق وقواتها النظامية ، وتؤكد المؤشرات أن عمليات تطهير الأجزاء الباقية من المدينة تسير علي قدم وساق وربما يتم طرد من لا زال يتحصن بها من قوات معارضة قبل نهاية الشهر الحالي ..
هذا التطور المتصاعد من جانب التحالف السوري / الروسي / الإيراني لا يُرضي العواصم الغربية التى قالت صحيفة التايمز يوم 8 الجاري أنها ستبذل كل ما في جهدها لـ " وقف كافة الفرص التي تعمل طهران علي إستغلالها لكي تُحقق مكاسب إستراتيجية بعد إعلان النظام الحاكم في سوريا إنتصاره القريب في معركة حلب الدائرة علي قدم وساق ..
أين فصائل المقاومة السورية من كل هذا الزخم ؟؟ ..
ازعم أن مكانها يتقلص علي مدار الساعة .. لما فقدته من مواقع علي الأرض وما أضاعته من سلاح وعتاد حربي .. وللخلافات المتعمقة التى تتفشي بين قياداتها .. ولعدم قدرتها علي حسم قرارها بدخول الحرب او التفاوض من اجل السلام .. واعترضها علي المبادرات التي تسعي لإبعاد المدنيين عن مواقع النيران ..
فهل هي إلي زوال ؟؟ يخطأ من يعتقد ذلك ، اشارك الكثيرون توقعهم ان تتحول إلي بؤر جهادية وخلايا انتقامية ..