باستثناء دول الخليج، يبحث كل عربي عن جواز سفر آخر، غربي،أو شرقي، يتيح له الإستقرار في وطن بديل. فقد أصبح أكثر العرب منبوذون في رقاع الدنيا. ممنوعون من السفر، ومن المغادرة او الدخول. جواز السفر الآخر، الذي نبحث عنه لاهثين، ليس مجرد صفحات، بل هو وطن جديد يضمن المستقبل، بعد أن سيطر اليأس على معظمنا في وطنه وهويته. آلاف تغربوا، واختاروا الهجرة إلى المجهول. لم يكن الموت يخيفهم إن آتاهم على زورق بائس، أو تجار بشر لا يرحمون. فهم موتى في أوطانهم على أية حال. والمجهول المحمول بالأمل، افضل من المعلوم المثقل بالخيبات. اللهاث علىجواز آخر لا يعني خيانة الوطن الأصلي أو التخلي عنه. بل هو التوق الى هوية تثبت أن صاحبها إنسان، بعد ان كان نصف شيءونصف حيوان.
أحترم جدا، أولئك اللذين يخاطرون بحياتهم، فيركبون الزوارق ويعبرون المخاطر. هم أكثر الناس طموحا، وأرفعهم نفسها، إذرفضوا ان تدنس إنسانيتهم في وطن لا يحميهم وينبذهم، فنبذوهورحلوا مع صرة مليئة بالخبز الناشف والآمال الكبيرة. سأصلي كل يوم لمن مات منهم، وسأصلي لنجاح من بقي منهم.
أطباء، كتاب، علماء، حرفيون وكثيرون غيرهم يمتلئ بهم عالمنا العربي. كلهم طامح الى الهجرة. إلى جواز سفر بديل ككتاب مقدس ينقذهم من تعاستهم. سيطاردون هذا الأخير، في كل بقاع الدنيا، حتى تفرغ المنطقة من عقولها، فنزداد اصطفافا في الوراء،فيما الآخرون يتقدمون.
دول الخليج تملك المال، لكنها تحتاج الى العقول أكثر. فما الذي يحول دون استقطاب الكفاءات المهاجرة من أوطانها العربية إليها؟ الهاجس الأمني سيطر على خليجنا. فبات الغريب مخيفالاقتصادنا، لأنظمتنا، ولعاداتنا.
خطأ ان ننظر الى الأمور هكذا. فالإنسانية تتقدم بتمازج الدماء. أي هاجس امني يشكله الطبيب؟ أي هاجس أمني في عالم الفيزياء؟ أي هاجس أمني هو في الأديب؟ كلهم ثروات، حقيق علينا في الخليج ان نستفيد منها. وهي في مجلمها، أكبر حماية لنا. فليست الأجهزة الأمنية وحدها ما يحمي، بل هي القيم التي تصنعها عقول متعددة المواهب والأعراق.