: آخر تحديث

ليس من الوصايا العشر في شيء

2
2
2

سليمان جودة

لا تتوقف المقارنات بين العمدة زهران ممداني، الذي بالكاد يجلس على رأس نيويورك، والعمدة صادق خان، الذي يستقر على رأس لندن الشهيرة بعاصمة الضباب، وإذا كنت قد قلت إن ممداني بالكاد يجلس على رأس نيويورك فلأنه لا يزال في بداية عمله على قمة المدينة لم يستقر بعد، أما خان فهو يقضي ولايته الثالثة في عاصمة الضباب، وبالتالي فالحديث عن أن يستقر في موقعه لا مبالغة فيه، بل هو تعبير عن واقع حال.

قد يكون دافع المقارنة بينهما أنهما يتوليان المسؤولية في مدينتين اشتهرتا بأنهما الأكبر بين مدن العالم في دنيا المال والأعمال، رغم أن بينهما من المسافات ما يقاس بآلاف الأميال، فإحداهما تقع على الشاطئ الغربي للمحيط الأطلسي في الولايات المتحدة الأمريكية، أما الثانية، فإن لم تكن تقع على الشاطئ الشرقي للمحيط نفسه في المقابل فإنها عاصمة لبريطانيا الواقعة على هذا الشاطئ أمام الشاطئ الأمريكي، ولكن من الجهة الأخرى.

دافع المقارنة ليس هو هذا الدافع رغم أهميته، ولكن الدافع الذي تابعنا جميعاً تفاصيله في وقتها هو أن كليهما يدين بالإسلام.

والقصة في حقيقتها ليست بالطبع في أنهما مسلمان، فإسلام كل واحد منهما ليس هو القضية في حد ذاته، ولكن القصة أن خان عمدة مسلم على رأس مدينة لا تدين الأغلبية فيها بديانته، وكذلك الحال مع العمدة ممداني، وإلا فلو جرى انتخابهما أو انتخاب أيهما في مدينة تدين أغلبية مواطنيها بالإسلام، فلن تكون هناك أي مشكلة، وما كان الإعلام سينشغل بالمسألة إلى هذا الحد الذي نذكره في حينه عندما فاز خان عام 2016، أو في أول هذا الشهر حين فاز ممداني.

استوقفني في هذا السياق تقرير صحفي نشرته صحيفة واشنطن بوست عن فوز الرجلين، وعن مدى قدرتهما على القيام بواجبات المسؤولية في المدينتين الآن، ثم في المستقبل خلال الفترة، التي سيكون على كل عمدة منهما أن يقضيها في منصبه.

مما ذكره التقرير على سبيل المثال، أن توني ترافرز، الأستاذ في كلية الاقتصاد في لندن، قال إن خان صار أكثر دعماً لمجتمع الأعمال وأنه تطور. ليس هذا وفقط، ولكننا سنفهم من التقرير المنشور أن السنوات الأولى لوجود خان في مقعده اتسمت بعلاقات وثيقة مع المنظمات اليهودية، وأن أول مناسبة عامة ظهر فيها بعد انتخابه كانت في حفل إحياء الهولوكوست، وأنه انضم بعدها إلى حملة لمعاداة السامية.

على هامش هذا كله، لا بد من الإشارة إلى أن نيويورك يعيش فيها أكبر عدد من اليهود في الولايات المتحدة، أو بمعنى أدق فإنها تحتضن العدد الأكبر من اليهود في العالم باستثناء يهود إسرائيل طبعاً، ولا شيء يدل على موقعها على خريطة اليهود في العالم، إلا أنها توصف في الكثير من الحالات بأنها تل أبيب الثانية، وفي المقابل فإن 150 ألف يهودي يعيشون في لندن، ولم يظهر منهم ما يشير إلى أنهم أصحاب موقف ضد خان وقت انتخابه ولا بعد ذلك إلى اليوم.

إنني عندما أتكلم عن اليهودي في لندن أو في نيويورك أو في غيرهما، فإنني أتطلع إليه بوصفه مؤمناً بالديانة اليهودية، التي تظل ديانة سماوية، شأنها شأن الإسلام والمسيحية، وأفترض فيه بناء على ذلك أنه يقف ضد الحرب على الفلسطينيين، ويؤيد حقهم في إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، عاصمتها القدس الشرقية، والمؤكد أن يهوداً في نيويورك انتخبوا زهران ممداني، كما أن المؤكد أيضاً أن يهوداً في عاصمة الضباب انتخبوا صادق خان، وفي الحالتين كان اليهودي الذي فعل ذلك ينأى باليهودية كونها ديانة عن أن تتحول إلى عقيدة سياسية، تجيز الحرب على الفلسطينيين، أو تنكر عليهم حقهم في إقامة دولة فوق أرضهم المحتلة، أو تطردهم من بيوتهم، أو أن تطاردهم، أو تلاحقهم أو تشردهم في أنحاء أرض فلسطين، فليس هذا كله من الديانة اليهودية في شيء، وعندما نطالع الوصايا العشر لسيدنا موسى عليه السلام، فإننا لا نجد من بينها أي مبدأ يقر بالعدوان على الغير، أو سلب حقوقه، أو هدم بيته، أو طرده من مكانه.

ليس من وصايا موسى عليه السلام شيء من ذلك أبداً، وعلى هذا الأساس أظن أنه قد جرى انتخاب خان في لندن، التي يسكنها 150 ألفاً من اليهود، ثم جرى انتخاب ممداني من بعده في نيويورك ذات الملايين من اليهود، فكلاهما مسلم يعرف مبادئ دينه ويتصرف على أساس منها، وكلاهما يفهم أن اليهودية كديانة سماوية لا تقر على الإطلاق بما يتعرض له الفلسطينيون، وكلاهما يدعو لاحترام مبادئ الأديان وعدم النزول بها من مكانتها السامية إلى دنيا السياسة بكل ما نعرفه فيها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد