: آخر تحديث

أين وصلت الحرب التكنولوجية بين أمريكا والصين؟

2
2
2

عبدالرحمن الحبيب

في كتابه عام 2017، وصف سكوت كينيدي، الخبير في الاقتصاد الصيني، الصين بأنه «تنين تكنولوجي سمين»، يستهلك كميات هائلة من الموارد لكنه يُنتج شرارات إبداعية ضئيلة، وإذا لم تكن الدول الرائدة في التكنولوجيا المتقدمة حذرة، فقد ينتهي بها الأمر تحت وطأة تنين التكنولوجيا السمين؛ فيما الدول الغربية كانت تتهم الصين بأنه لا يتوانى عن سرقة ابتكاراتهم دون مراعاة حقوق الملكية الفكرية.

هذا التنين السمين أخذ يسترد لياقته رويداً رويدا حتى أصبح من أكثر دول العالم ابتكاراً، وفقًا لتصنيف عالمي جديد لـ 139 اقتصادًا نشره المكتب العالمي للملكية الفكرية (WIPO) حسب مؤشر الابتكار العالمي (GII 2025) الذي صُمم ليرسم صورة شاملة للابتكار، ويضم نحو 80 مؤشرًا، بما في ذلك مقاييس تتعلق ببيئة السياسات، والتعليم، والبنية التحتية، وإنتاج المعرفة في كل اقتصاد.

يوضح المؤشر أن أفضل تجمع ابتكاري كان في الاقتصادات التالية:

1. الصين: للعام الثاني على التوالي، تتصدر القائمة بأكبر عدد من التجمعات (24 تجمعاً).

2. الولايات المتحدة (22 تجمعاً) مع سان خوسيه-سان فرانسيسكو كأكبر تجمع.

3. ألمانيا (7 تجمعات) مع ميونيخ كأكبر تجمع.

4. الهند (4 تجمعات) مع بنغالورو كأكثر التجمعات ابتكارًا؛

5. بريطانيا (4 تجمعات) مع لندن كأكبر تجمع.

وفي تصنيف التجمعات الابتكارية المحلية كان في المركز الأول شنتشن-هونغ كونغ-قوانغتشو (الصين)، والثاني طوكيو-يوكوهاما (اليابان)، والثالث سان خوسيه-سان فرانسيسكو (الولايات المتحدة)، الرابع بكين (الصين)، الخامس سيول (كوريا الجنوبية).

أما إذا أوخذت التجمعات الابتكارية الأكثر نشاطًا نسبةً إلى الكثافة السكانية، فيكون الأول تجمع سان خوسيه - سان فرانسيسكو (أمريكا)، 2. كامبريدج (بريطانيا)، 3. بوسطن-كامبريدج (أمريكا)، 4. نينغده (الصين)، 5. أكسفورد (بريطانيا).

قبل أيام عقد اتفاق أمريكي صيني على أن تتولى مجموعة استثمارية أمريكية 80%من عمليات تيك توك في الولايات المتحدة، مبقياً للصين نفوذاً كبيراً على النسخة الأمريكية من التطبيق؛ مما اعتبره الباحث ستيفن فيلدشتاين (مجلة فورين بوليسي) صفقة تمثل الراية البيضاء لأمريكا في حرب التكنولوجيا مع الصين، ذاكراً أن هذه الحرب لا تزال معلقة وغير مؤكدة.

فإلى أين وصلت المنافسة أو الحرب بين أمريكا والصين في مجال التكنولوجيا المتقدمة؟ اليوم، لم تعد المسألة مرتبطة فقط بمن يبتكر ويبني التكنولوجيا الأكثر تقدماً، بل بمن يستطيع تسويقها وجعلها أكثر انتشاراً على مستوى العالم، حسبما ذكرت الكاتبة تيلي زانغ (صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ) موضحة بأن النزال لن يُحسم داخل المختبرات وحدها، بل في الأسواق أيضاً، فاختيار المستهلك لأي تطبيق ذكاء اصطناعي أو أي سيارة كهربائية يعني، عملياً، إلقاء «صوت انتخابي» في معركة الجغرافيا التكنولوجية بين بكين وواشنطن.

حسب المختصين، تُعدّ الصين حالياً منافسًا قوياً للولايات المتحدة، حيث تتصدر مجالات عديدة مثل الطاقة النووية التجارية، والمركبات الكهربائية، والعديد من قطاعات التكنولوجيا الناشئة، بينما تحافظ الولايات المتحدة على هيمنتها في مجال الحوسبة عالية الأداء وريادة تقنيات الرقائق المُمكّنة للذكاء الاصطناعي.

ينبع التقدم السريع للصين من استراتيجية طويلة الأجل للاستثمار في البحث والتطوير وتعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بينما اعتمدت الولايات المتحدة تاريخيًا على جذب المواهب العالمية، على الرغم من أن سياساتها الأخيرة قد تُعيق هذا التدفق بعد هجوم الرئيس دونالد ترامب على المؤسسات العلمية في أمريكا.

ويذكر الخبراء أن نقاط قوة الصين تكمن في ضخامة مخرجات الابتكار الشاملة في الدفاع والفضاء والروبوتات والذكاء الاصطناعي، إضافة إلى أن لديها عدد أكبر بكثير من علماء ومهندسي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات مقارنةً بالولايات المتحدة، مع وضعها لاستراتيجية طويلة المدى بما في ذلك استثمارات استراتيجية في البنية التحتية والبحوث العلمية والتكنولوجية.

أما نقاط قوة الولايات المتحدة فترتكز في تكنولوجيا أشباه الموصلات وتطوير رقائق الحوسبة المتقدمة عالية الأداء التي تُشغّل العديد من التقنيات الحيوية، وقيادة الذكاء الاصطناعي، كما أنه من المعروف تاريخياً أن أمريكا استفادت من استقطاب أفضل المواهب العالمية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، مما عزز ابتكاراتها وريادتها العالمية.

ما الذي يخبئه المستقبل؟ يشير تقرير شركة كوفاس العالمية (مارس 2025) إلى أن افتراض استمرار الأنماط الحالية خلال السنوات القادمة يتناقض تمامًا مع عزم الولايات المتحدة والصين الراسخ على الحفاظ على الريادة التكنولوجية أو اكتسابها وتقليل التبعيات، غالبًا باستخدام التجارة كسلاح. كما يُستبعد هذا الاعتقاد إمكانية حدوث تغيير جذري كبير في الصناعة يُحفزه الابتكار الجذري الذي يُعد سمة من سمات صناعة الإلكترونيات.

كانت اليابان موطنًا لأكثر من 50% من إنتاج أشباه الموصلات العالمي في ثمانينيات القرن الماضي، وقد تقوضت هيمنة اليابان بسبب صعود الحوسبة الشخصية والتدخلات الاستراتيجية الأمريكية للحد من الصادرات اليابانية. وبالمثل، أعادت ثورة الهواتف الذكية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تشكيل الصناعة، حيث حلت محل شركات رائدة مثل نوكيا وموتورولا، بينما صعدت بأسماء لاعبين جدد مثل آبل وسامسونج وTSMC. هذه التحولات تُسلط الضوء على إمكانية حدوث اضطرابات غير متوقعة مما سيُعيد تعريف ديناميكيات المنافسة والقيادة العالمية للتكنولوجيا.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد