في نوفمبر 2018، كتبت في هذه الزاوية مقالًا بعنوان «لن نحتاج مذيعة جميلة في المستقبل..!»، تناولت فيه تجربة وكالة الأنباء الصينية شينخوا عندما قدّمت أول مذيع للأخبار يعمل بتقنيات الذكاء الاصطناعي، مذيع لا يتعب، لا يخطئ، ويعمل أربعًا وعشرين ساعة في اليوم دون انقطاع.
ذكرت أن ما شاهدناه ليس مجرّد تجربة تقنية، بل بداية مرحلة جديدة تهدد مهنة الإعلاميين وتعيد تعريف مفهوم الجمال والموهبة على الشاشة، وأشرت الى إن الثورة القادمة لن تقتصر على الصناعة أو الهندسة، بل ستصل إلى المجالات الإبداعية، وهو ما نراه اليوم يتحقق أمام أعيننا في عالم التمثيل.
فبعد سبع سنوات من ذلك المقال، يظهر نموذج جديد أكثر إثارة للجدل، تمثّله «تيلي نورود» أول ممثلة رقمية بالكامل صُممت بتقنية الذكاء الاصطناعي، ليست إنسانة، لكنها تؤدي أدوارها بملامح واقعية وصوت مقنع وتعبيرات وجه دقيقة لدرجة يصعب معها التفريق بين ما هو حقيقي وما هو صناعي، والأمر اللافت والمهم أن الشركات المنتجة لهذه التجربة تؤكد أن التقنية قادرة على تخفيض تكاليف الإنتاج بنسبة تصل إلى 90 ٪، وأن الممثلة الرقمية يمكنها العمل بلا توقف، وبأداء يمكن تحسينه برمجياً في أي لحظة.
لكن خلف هذا الإبهار، هناك سؤال لا يقل أهمية: ماذا سيبقى من الفن حين يغيب الشعور الإنساني؟ الممثل الحقيقي لا ينقل صورة فقط، بل يعيش الدور ويتنفسه، يحمل ذاكرة وتجربة وعاطفة لا يمكن برمجتها، أمّا «الممثلة الرقمية»، فهي تؤدي بلا خوف، بلا تعب، بلا روح، وربما بلا صدق، إنها تحاكي الإنسان، لكنها لا تشعر مثله.
الجيل الجديد قد يتقبل هذا التغيير بسهولة، فقد نشأ في عالم ربطت فيه التقنية الواقع والخيال، وما راح يصعب عليه أن يتفاعل مع ممثلة افتراضية طالما المشهد مبهر والقصة مؤثرة، بينما أعتقد أن جيلنا، الذي ارتبط بصدق الأداء ودفء الملامح، سيظل يرى في التمثيل وجدانًا لا يمكن نسخه!
وإذا تعايشنا وتقبلنا هذا التحول الإعلامي والفني معًا، فمن الطبيعي أن نضطر لإعادة التفكير في دور الإنسان داخل هذه الثورة، فالذكاء الاصطناعي ليس عدوًّا للفن والإعلام، لكنه قد يصبح كذلك إن غابت الضوابط التي تحمي القيمة الإبداعية وتحافظ على البعد الإنساني في كل مشهد يُروى على الشاشة.
كما أن السؤال وبكل واقعية الذي يفرض نفسه حالياً ونحن نعيش الثورات التي تنافس الإنسان مضمونة: هل سنتقبل مذيعين وممثلين وممثلات الخيال الرقمي الخالين من الإحساس والمشاعر، أم أن الفن والمجال الإعلامي عموماً سيبقى وفياً لتلك الروح التي لا يمكن تقليدها؟