في العاصمة الرياض، حيث يلتقي المال بالفكر، احتضنت المملكة يومي 29– 30 سبتمبر 2025 أول مؤتمر للاستثمار الثقافي، على مسرح مركز الملك فهد الثقافي، تحت رعاية سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-، الحدث لم يكن مجرد ملتقى، بل نقطة تحول تؤكد أن الثقافة أصبحت في السعودية قطاعًا استراتيجيًا يجمع بين الإبداع والعائد الاقتصادي.
شارك في المؤتمر أكثر من 1,500 شخصية و150 متحدثًا من وزراء وخبراء ومستثمرين محليين ودوليين. ومن أبرز الحضور الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة، الذي أعلن إطلاق جامعة الرياض للفنون، لتخريج جيل جديد من المبدعين، مؤكدًا أن الثقافة "قوة استثمارية لا تقل عن الصناعة أو الطاقة". كما شارك معالي وزير الاقتصاد والتخطيط فيصل الإبراهيم، الذي شدد في جلسة بعنوان من السياسة إلى الازدهار على أن "الثقافة استثمار جاد، يخلق وظائف ويقود النمو"، وحضر أيضًا الدكتور سالم بن محمد المالك المدير العام لمنظمة ICESCO، الذي اعتبر المؤتمر منصة عالمية تعزز موقع المملكة في قيادة التنمية الثقافية.
المؤتمر شهد توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الاستثمار وصندوق التنمية الثقافية لجذب الشركات العالمية نحو مشاريع الثقافة والفنون، إضافة إلى اتفاقيات بين وزارتي الثقافة والسياحة وعدد من الفنادق ضمن برنامج Culture in Hospitality Facilities لدمج الهوية السعودية في قطاع الضيافة. وكشفت وزارة الثقافة أن استثماراتها في البنية التحتية الثقافية منذ انطلاق رؤية 2030 تجاوزت 81 مليار ريال، في المتاحف والمسارح والمكتبات والمشاريع الإبداعية.
كما شهد المؤتمر إطلاق مبادرات نوعية، أبرزها إعلان مجموعة Ori الصينية عن تأسيس مقرها الإقليمي في المملكة باستثمار يفوق ملياري ريال، إلى جانب تدشين أول صندوق فني برأسمال يقارب 150 مليون ريال مخصص لاقتناء الأعمال الفنية السعودية والإقليمية. هذه الإعلانات تعكس أن الثقافة في السعودية لم تعد مساحة رمزية، بل بيئة جاذبة لرؤوس الأموال العالمية.
المعرض المصاحب كشف عن مشاريع كبرى، منها جلسة “Saudi Giga Projects” بمشاركة قادة نيوم و"نيو مراحبا"، حيث ناقشوا كيف تُحوّل المشاريع العملاقة الثقافة إلى عنصر رئيسي في تشكيل هوية المملكة الحديثة، وجلسة “Immersive Hospitality” التي عرضت كيف تصبح الضيافة منصة لإبراز القيم الثقافية.
في كلمات الحضور، ترددت قناعة واضحة: أن السعودية تُعيد تعريف التنمية؛ فالأرقام المالية التي أعلنتها وزارة الاستثمار، والصفقات الكبرى التي تُبرم في الطاقة والصناعة، تكملها اليوم مشاريع ثقافية تُحوّل المتحف والمسرح والكتاب إلى أصول اقتصادية. وكما عبّر أحد المشاركين: "هذا المؤتمر إعلان بأن الثقافة السعودية لم تعد ترفًا، بل استثمارًا يكتب المستقبل".
بهذا المشهد، أثبتت المملكة أن الاستثمار لا يُقاس بالمليارات وحدها، بل أيضًا بما يُترك من أثر في الهوية والوجدان. إنها معادلة جديدة: اقتصاد قوي، وثقافة حاضرة، وهوية تتجدد وأفق يتسع.