ضياء رشوان
عرفت التحركات المصرية على مستوى العالم منذ عام 2014 سمات واضحة محددة، ربما كان أبرزها الحرص على تعدد وتنوع علاقات مصر الخارجية في كل المجالات مع أكبر عدد ممكن من دول العالم، كذلك فقد عادت مصر للاهتمام البالغ بعلاقاتها مع دول «الجنوب»، والتي تضم بصورة خاصة دول القارتين الأفريقية والآسيوية، والتي كانت أحد المجالات الحيوية للسياسة الخارجية المصرية منذ منتصف ستينيات القرن. وقد سبق لنا في هذه المساحة أن تطرقنا لبعض من ملامح وتطورات علاقات مصر الوثيقة المتنامية مع القارة الأفريقية ودولها، وهو ما نكمله اليوم ببعض سمات ومسارات علاقاتها مع دول القارة الآسيوية.
وقد شهدت هذه العلاقات تطورات إيجابية عميقة ومتواصلة منذ عام 2014، وترسخت خلال هذا العقد علاقات مصر بعديد من دول القارة الآسيوية، وذلك على مستوى العلاقات الثنائية بينها، والعديد من الدول غير العربية في آسيا، كما تعززت علاقاتها بالدول الآسيوية على المستوى متعدد الأطراف، من خلال الاشتراك في عضوية العديد من التجمعات، التي تجمع الطرفين مثل: المنتدى الصيني - العربي، ومنتدى التعاون الصيني - الأفريقي، والمحفل الهندي - الأفريقي، والمنتدى الياباني – الأفريقي، وتجمع «بريكس»، وغير ذلك من المنظمات والتجمعات الإقليمية والدولية.
هذه المنظومة الراسخة من علاقات مصر الآسيوية تكتسب أهمية مضاعفة بالنظر إلى ما يشهده النظام العالمي من اضطرابات في مرحلة تتسم بالقلق والفوضى والسيولة، وإعادة تشكيل أنماط وموارد القوة فيه، وتوازنات القوى والتحالفات بداخله، وتغييرات متسارعة في العديد من المسارات، التي سادت العالم منذ الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي يفرض على جميع الدول، خصوصاً الدول الرائدة إقليمياً مثل مصر ذات المصالح المتعددة، وشبكات العلاقات الممتدة أن تؤمن بدائل واختيارات عديدة لحركتها السياسية والاستراتيجية والاقتصادية والتجارية، خصوصاً أن كل ما ينبئ به مستقبل النظام الدولي يضع القارة الآسيوية في مقدمة القوى الصاعدة والمؤثرة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً أيضاً.
في ضوء هذه المعطيات، تبدو الأهمية الكبرى لما تقوم به مصر خصوصاً في مجال علاقاتها الثنائية مع العديد من الدول الآسيوية ذات التأثير القاري والعالمي، وفي مقدمتها جمهورية الصين الشعبية، والتي شهدت نقلة نوعية تاريخية في السنوات العشر الأخيرة، فقد عقد الرئيس عبد الفتاح السيسي، والرئيس الصيني شي جين بنج نحو 12 لقاء قمة، خلال هذه السنوات، كما زار الرئيس السيسي الصين نحو 8 زيارات في إطار ثنائي أو حضور قمم دولية عقدت في الصين، بينما استمر وتعمق التواصل بين البلدين على كل المستويات، حيث أضحت الصين على الصعيد الاقتصادي أكبر شريك تجاري لمصر في العالم، وأحد أكبر المستثمرين الخارجيين فيها، وعلى المستوى السياسي والاستراتيجي وصل التنسيق بين البلدين إلى مستويات غير مسبوقة، أدت إلى تقارب كبير في رؤية البلدين لقضايا منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا والعالم، ثم برزت في الفترة الأخيرة جوانب أخرى من التعاون المصري الصيني، كان أبرزها التدريبات العسكرية المشتركة، التي أقيمت تحت اسم «نسر الحضارات»، والتي أثارت اهتماماً إقليمياً ودولياً كبيراً باعتبارها شكلاً غير مسبوق من العلاقات بين البلدين.
على المستوى نفسه، تعمقت علاقات مصر مع الهند في مجالات اقتصادية واستثمارية وصناعية كبيرة، وتعددت لقاءات الرئيس المصري مع رئيس وزراء الهند، وتزايد التبادل التجاري بين البلدين، الأمر نفسه مع اليابان والتي كثفت العلاقات معها، وتنوعت في كل المجالات، خصوصاً مجالات الاقتصاد والصناعة ونقل التكنولوجيا، إضافة إلى التعاون الثقافي، الذي يعد أحدث عناوينه التعاون في تشييد المتحف المصري الكبير.
وفيما يخص العلاقات مع كوريا الجنوبية فقد أصبحت أحد أبرز شركاء التنمية والصناعة والتجارة لمصر، وكذلك مع باكستان، التي شهدت نقلة كبرى من التعاون، بما في هذا العسكري والتجاري.
وبالإضافة إلى هذه الدول ذات الأهمية المعروفة على صعيد آسيا والعالم، فقد فتحت مصر أبواباً جديدة لعلاقات غير مسبوقة مع الدول الآسيوية، التي زارها الرئيس السيسي لأول مرة في تاريخ العلاقات المصرية – الآسيوية، مثل فيتنام وأرمينيا وأذربيجان وغيرها.