: آخر تحديث

المُترجمُ الثقة صانعٌ لحرفته

3
5
4

عُلماء مصطلح الحديث، والمُهتمّونَ بصحّة الأسانيد؛ وضعوا شروطًا وضوابطًا لدرجة الحديث، من حديثٍ صحيح وحَسَنٍ وغيرهما، ووضعوا شروطًا لرواة الحديث؛ بأن يكون الراوي صادقًا، غير مُدلّس، ولا مختلط، متّصفًا بصفات العدالة، ضابطًا متحفظًا، سليم الذهن، قليل الوهم. وبظنّي، بل يقيني، أنّ ما يندرج على رواة الحديث، يتّسق تمامًا مع من يشتغل بالترجمة؛ سواءً ما كان منها شفويًا أم تحريريًا، وإذا ما طبّقنا شروط قبول الرواة على أولئك المشتغلينَ بمهنة الترجمة؛ نجد أنّ ذلك عين الحقيقة والصواب، فكلاهما يتطلّب تلكم الصفات والسمات؛ فلا بُدَّ أن يكونَ المُترجم ثقةً، جيد الحفظ، ماهرًا بعلمه وفنّه، صادقًا بما يُترجمه، واضعًا نصبَ عينيه أنّ من يقرأ ترجمته يضعُ ثقته كُلّها بذلك المُترجم، ويأخذ منه المعلومة. ومن هُنا؛ فإنّ على المترجمينَ أن يأخذوا مبدأ الإمامة، وهيَ أنّهم يتحملونَ وِزرَ المأمومينَ خلفهم، فما جُعِلَ الإمامُ إمامًا إلا لأنه يُؤتَمُّ به، وهذا هو -بطبيعة الحالِ- حالُ أولئك المترجمين الذين ينقلون المعلومة من لسانٍ إلى لسان؛ أنّهم مسؤولون عنها وأن عليهم وِزرَها إن كانت غير صادقة أو مغلوطة أو غير موثوقة. وحينما نُمعن النظر في شعار اليوم العالميّ للترجمة 2025 الصادر عن الاتحاد الدوليّ للمترجمين "الترجمة.. لمستقبلٍ يمكن الوثوق به"؛ يجعلنا -معشر المترجمين- نشعرُ بأنّ علينا مسؤوليةً عُظمى تِجاه مُستقبل الترجمة؛ حيثُ أصبحت في عصرنا ميسورةً؛ نجدها في التطبيقات الحديثة، وما هوَ آتٍ أعظم. وهُنا؛ يَبقى لدى المُترجم البشريّ حيّزٌ لا يُستهان به؛ بل يضعه في زاويةٍ تجعله مناط التكليف، والرجوع إليه في حالة البحث عن الحقيقةِ والتيقن من المعلومة، ويكون الملاذ لمن يبحث عن المصداقيّة؛ لا سيما في البحوث العلميّة، فالوثوق بالمعلومة وأخذها من مظانها يتطلبُ ويستلزم أن يكونَ المصدر أو المُترجم ذا علمٍ وثقافةٍ واسعتين؛ إذ لا يكفي أن يعرف المفردة، بل يجب أن يُدرك سياقها، ودلالتها، وما تُحيل إليه، وأن يكون ذا مهارةٍ تُمكّنه من تطويع النصوص تطويعًا يُناسب ثقافة المتلقّي، وأن يكونَ ذا أمانةٍ؛ يَنقل المعنى بلا تحريفٍ ولا بترٍ ولا إضافة، وأن يكون حريصًا على المراجعة والتدقيق، مُدركًا أنّ أيَّ زلّةٍ -سواءً أكانت بقصدٍ أو بدونِ قصد- قد تُغيّر المَعنى وتُضلّل القارئ. وبإمعانِ النظر أيضًا بشعار اليوم العالميّ للترجمة؛ نرى أنّه يضع المترجمينَ بمنزلة من أعدّ أو كتبَ أو بحثَ أو اخترعَ؛ فهم بمنزلة الشهود إن صحّ هذا التعبير؛ فهم يشهدونَ على ما هم ناقلوه، فلا بُد أن يكون الشاهد ذا ثقة وصدق وقوّة حفظ وعلم وإدراك بما يقول. ومن هُنا يكون مستقبل الترجمة الموثوقة.. مُستقبلٌ يُوثَق به ويجعل المشتغلينَ بالعلوم كافة؛ يأخذونَ المعلومة من ثقةٍ عن ثقة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد