: آخر تحديث

التقدم بين التوازن العلمي والأخلاقي

1
1
1

عبد الله سليمان الطليان

تطورت الحضارة البشرية على مر الزمن وشهدت تقدما علميا وصناعيا هائلا، وما زلنا نشهد المزيد من هذا التقدم، ولكن هل هذا التقدم فيه توازن بين العلم والأخلاق بحيث لا يطغى جانب على جانب آخر؟ لقد كان الأمر مثار جدل ومنذ أمد بعيد.

في القرن الثامن عشر كان مفهوم التقدم الشغل الشاغل للمفكرين والفلاسفة والمؤرخين والأدباء وعلى رأسهم: (فولتير، روسو، هر دو، شلر، لسنج، كنت، هيجل)، فهم ميزوا بين التقدم في العلم والحضارة والصناعة وبين التعلم الأخلاقي أو الروحي في الإنسان، فقال بعضهم بأن كلا النوعين متلازم مع الآخر، وقال آخرون إن كليهما متعارض مع الآخر. فمثلا جان جاك روسو قال: (بقدر ما يتقدم علمنا وفنوننا نحو الكمال، تزداد أرواحنا فسادا).. بل أنكر التقدم إنكارا تاما، فقال: (لا يوجد تقدم حقيقي للعقل في الجنس الإنساني، لأن ما يكسبه في ناحية يفقده في ناحية أخرى) وأنكر التوافق بين التقدم العلمي والتقدم الأخلاقي. وكان إمانويل كنت أول من درس معنى التقدم بعمق وتفصيل. وهو يرى أن التقدم يسير من الأسوأ إلى الأحسن، ويسير نحو الكمال، أما هيجل، فإنه وإن قال بالتقدم، فإنه يستبعد منه فكرة السير المتواصل نحو الكمال إلى غير نهاية، وينكر ارتباط هذا السير المتواصل بأي معنى أخلاقي، أما أوجست كونت، فقد أكد التقدم، ووضع له قانون الأطوار الثلاثة الديني، والميتافيزيقي، والوضعي، وهذا التطور يمثل السير التقدمي للروح الإنسانية. لكنه تحاشى القول بالتقدم في خط مستقيم، وهكذا نرى الغالبية العظمى من الفلاسفة والمفكرين يؤكدون التقدم وينادون بتحقيقه، رغم اختلاف اتجاهاتهم. وهنا يثور السؤال: ما معنى التقدم الذي يقصده كل واحد من أنصاره؟ هنا نجد أن كل واحد منهم يفهمه بمعنى مختلف عما يفهمه به الآخر، فالتقدم الذي قد يدعو إليه رجل دين يتناقض تماما مع التقدم الذي ينادي به أحرار الفكر، والتقدم يفهم عند البعض بمعنى التطور الصناعي الصرف، ويفهمه البعض الآخر بأنه التقدم في الحياة الروحية، وهذان النوعان من التقدم نادراً ما يسيران معا.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد