يقال إن الحياة هي مجموع قراراتنا، لكن ما لا يدركه كثيرون هو أن قدرتنا على اتخاذ قرارات جيدة لا تبقى ثابتة طوال اليوم. قد يظن الإنسان أنه يملك حرية كاملة في كل لحظة، إلا أن علم النفس والسلوك البشري يشير إلى أن الإرهاق الذهني يؤثر ببطء، لكن بعمق، في جودة اختياراتنا. هذا ما يسمى «إرهاق القرار»، وهي ظاهرة ذكرت في بعض الدراسات العلمية التي تؤكد أن الإنسان حين يجبر على اتخاذ قرارات كثيرة في وقت قصير، يصبح أقل دقة، وأقرب إلى التردد أو حتى اللامبالاة. نحن لا نتعب فقط من العمل أو الجهد البدني، بل من مجرد التفكير المستمر واتخاذ الخيارات.لفهم هذا التأثير على أرض الواقع، يكفي أن نعود إلى دراسة شهيرة تم نشرها في مجلة «محاضر الأكاديمية الوطنية للعلوم» وهي مجلة علمية تصدر من الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة. أجرى الدراسة باحثون من جامعة كولومبيا، وتتبعت قرارات 1112 جلسة إفراج مشروط أمام قضاة في المحاكم، وتم ملاحظة أن القرارات التي تم اتخاذها في الصباح كانت تميل أكثر إلى منح الإفراج المشروط، بينما تراجعت هذه النسبة بشكل واضح مع مرور اليوم ومضي الوقت، ثم عادت للارتفاع بعد فترات الراحة أو تناول الطعام.بمعنى آخر، كلما زاد عدد القضايا التي ينظرها القاضي دون استراحة، زاد ميله إلى اتخاذ القرار الأسهل، وهو الرفض.هذه النتائج تفتح نقاشاً أوسع عن كيف نعيش يومنا، وكيف نرتب أولوياتنا. إذا كان العقل يرهق أيضاً من القرارات المتكررة، فالأفضل أن نترك المهام المهمة، مثل اتخاذ القرارات المصيرية أو نقاشات العلاقات أو حتى التسوق الواعي، لساعات النشاط الذهني وعندما تكون طاقتنا بأفضل حالاتها، مثل الصباح، أو ما بعد فترة الاستراحة. من الأفكار المقترحة أيضاً، تقليل عدد القرارات اليومية من خلال تبسيط الروتين اليومي، مثل ارتداء نوع الملابس نفسه أو تناول الفطور نفسه لتوفير الطاقة الذهنية للتفكير باتخاذ قرارات صغيرة مثل هذه كل يوم لما هو أهم. إدراكك لمحدودية قدراتك على الاختيار ليس ضعفاً، بل وعي يمكن أن يغير من طريقة عيشك ويجعلك أكثر تركيزاً على الأمور الأهم، لأن القرار الأفضل والأصح ليس دائماً الأصعب، بل هو الذي يتخذ في اللحظة الصحيحة، بعقل غير منهك.
العقل المنهك
مواضيع ذات صلة