: آخر تحديث

رجل الدين الخفي (2 - 2)

4
4
5

لا يكفي الاهتمام بالبطون وإشباعها، ولا بالمساكن وبنائها، ولا بالمدارس وافتتاحها، بل يأتي قبلها الاهتمام بصحة العقول وإنمائها، فما تتفوه به مجموعة من «محترفي إصدار الفتاوى» والدعاة وممثلي مختلف التيارات الدينية أمر لا يجب السكوت عنه، فهو كلام يطرب العدو لسماعه، ويتسبب في زيادة تخلفنا عما نحن عليه، ويصرفنا عن الاهتمام بكل هذا الغليان، الذي يجتاح العالم حولنا، والذي سيجرفنا حتماً في طريقه، ونحن منشغلون بأمور عفا عليها الزمن، وأصبحت تراثاً يصلح لمراجعة المؤرخين، وتمحيص الدارسين، وليس لمواجهة صنوف التحديات في القرن الحادي والعشرين.

لا يقبل عاقل قيام دعاة، من فوق منابرهم، وأمام جماهيرهم، بالتطرق لمواضيع مثيرة للجدل، أو تتعلق بأمور لا وجود لها، مثل كيفية التعامل «جنسياً ومالياً» مع «الأَمة»، أي المرأة التي يمتلكها شخص ما، ويتساءل: هل تجوز معاشرتها من دون رضاها؟ وماذا لو أراد بيعها، فهو يجوز له ذلك إن كانت حاملاً؟ وماذا لو اشترط على من اشتراها ألا يجامعها، حتى تحيض حيضة واحدة؟ (ولم يبيّن لنا لماذا على الأَمة حيضة واحدة، والحرة أكثر من ذلك؟)، وغير ذلك من تساؤلات مثيرة للحيرة!

ويقول آخر، وفي جمع غفير، لا استغرب وجود أطباء ومهندسين بينهم، إننا لو انتصرنا على عدونا الكافر، وطبقنا أحكام الدين، فإن كل من في مدنهم يصبح حكماً «سبايا» للجيش المنتصر، وسيتم توزيع السبايا، من رجال ونساء وأطفال، على المجاهدين، ليقوموا ببيع ما يزيد على حاجتهم في «سوق النخاسة»، وكيف أن في ذلك رحمة لهم، فهو أفضل من قتلهم (!!) كما أن ناتج البيع يمكن به سد العجز المالي للدولة!

نتساءل، مع غيرنا: ما فائدة طرح مثل هذه القضايا الجدلية، والخيالية؟ ما المعلومات المفيدة التي يمكن الخروج بها من مثل هذا اللغو؟ أليس ما يقوله هؤلاء انعكاس لتخلّف وسطحية فكر من يطرحه؟ فلماذا تسمح حكوماتنا لأنصاف الجهلة هؤلاء بتولي مهام «تعمية» الأمة بدلاً من «توعيتها»، بتسهيل تسلقهم المنابر؟

إن هؤلاء يعتاشون بالفعل على تجهيل أتباعهم، بالحديث عن عوالم عبيد وأسياد، وسوق شراء وبيع ذكور وإناث!

للعلم، لم تكن نهاية الرق، أو منع تملك الإنسان لأخيه، عملية مفاجئة، بل تدريجية وتاريخية وطويلة، كانت وراءها بريطانيا، بالرغم من كل تاريخها الاستعماري البشع، فسفنها الحربية هي التي اعترضت السفن، التي كانت تنقلهم من أفريقيا إلى العالم الجديد، أمريكا. كما كانت تالياً وراء إلغاء العبودية كمؤسسة قائمة، عام 1833، وتبعتها دول أوروبية عدة، فتم تحرير حوالي 800000، معظمهم من منطقة البحر الكاريبي. أما الدولة العثمانية فقد ألغت الرق وتجارته بفرمان عام 1857، لكن العبودية استمرت حتى تأسيس الجمهورية في 1924. كما استمرت العبودية في الجزيرة والخليج حتى أوائل الستينيات، من القرن الماضي.

إن وجودنا بأكمله معرّض للفناء، وسيأتي يوم، وهو ليس بالبعيد، نندم فيه على سكوتنا عن هذه الأمور، لانشغالنا بأي رجل ندخل الحمام، من دون ان ندرك أن الفترة، التي جاء منها هذا الكلام، لم تكن هناك فيها أصلاً أية حمامات!

يقول الكاتب المصري عادل نعمان: لسنا في حاجة إلى كل هذه الجهات التي تصدر آلاف الفتاوى ليل نهار، حتى تتفاخر وتتباهى دور الإفتاء بإصدار الملايين منها، علماً بأن الأجوبة عليها متوافرة في كل هاتف وموقع، كما أن الاتكال فيها على رجل الدين قتل للمبادرة والفكر. وإن كان لا بد، فعلينا استبعاد فتاوى الخرافات والمعجزات والأساطير، والجن، وتلك التي لا علاقة لها بالعصر، والتي تخاصم العلم والعقل، والفتاوى التي يعتمدها الناس لمخالفة القانون والأعراف والقيم، مثل جواز ترك الزوج زوجته للمغتصب حال التأكد من إصرار المغتصب على قتله إن رفض، وان زنى المحارم أهون من ترك صلاة الفجر، وغير ذلك الكثير.

***

هنا أيضاً نتمنى تدخّل سمو الرئيس، ومعالي نائبه، لوقف مثل هذه الفوضى، وهذا التخريب العقلي، شبه الرسمي.


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد