انتشرت في الفترة الأخيرة حالة من الإعجاب والتعلق بلعبة صغيرة غريبة؛ ليس فيها أي قيمة من قيم الجمال، بل إن شكلها أقرب إلى انعدام الجمال منه إلى الجمال، وذلك لأن بعض المشاهير في دول أخرى قد ظهروا على وسائل التواصل الاجتماعي يحملون هذه اللعبة، ومن ثم أصبح العالم كله مهووساً بلعبة «لابوبو» التي صعدت صعوداً هائلاً في عوائدها الاقتصادية.
وفي أسعارها على الرغم من أنها موجودة في السوق منذ عشرات السنين، ولم يلتفت إليها أحد، ولكن بمجرد أن ظهرت مع إحدى المشاهير في الفرق الغنائية في كوريا الجنوبية تحولت إلى «موضة» أو «صرعة ثقافية» يسعى الجميع إلى اقتنائها والظهور بها؛ وتراوحت أسعارها من 15 دولاراً إلى أكثر من 1000 دولار؛ بل إن واحدة منها بيعت في مزاد علني في هونغ كونغ بأكثر من 170,000 دولار.
هذا إن كان يدل على شيء؛ فإنه يدل على أن حالة العولمة التي نعيشها تحت تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، وتحت ذوبان الفواصل والفوارق والمسافات بين شعوب ومجتمعات الأرض قد نجحت في تقليص مساحة الخصوصية، وإضعاف الهويات الثقافية، وجعلت العالم جميعه تحت تأثير مجموعة محدودة من المؤثرين أو الفنانين الذين يمثلون قدوة للمليارات من الشباب في مختلف ثقافات العالم.
«لابوبو» هي لعبة اشتقت من تراث وتاريخ شعوب شمال أوروبا الذين كانوا يعبدون الشياطين أو الأشباح، وكان «لابوبو» هذا إله صغير في صورة طفل يحب الاستمتاع، وقد لا يكون من يستخدمون «لابوبو» يعرفون هذه القصة، ولكن يعرفون فقط أن امتلاكها، والظهور بها في وسائل التواصل الاجتماعي يعطيهم قيمة، ويجعلهم من المتابعين لأحدث الصيحات في العالم.
وما يهمنا في مجتمعاتنا العربية هو أن حالة مثل حالة «لابوبو» تنذر بأن هناك العديد من التحديات، بل والمخاطر التي تواجه الأجيال القادمة، ومن أهمها أن هناك حالة من ضعف المناعة الثقافية والانسياق وراء «الموضات العالمية»، والتعلق بها دون فهمها، ودون معرفة خلفياتها، بل لمجرد التقليد والتبعية.
وهذا أمر إذا تعود الأطفال والشباب عليه فإنه يشير إلى حالة من التابعية الشديدة للخارج، قد تجعلهم يقلدون الموضات حتى وإن كانت خطيرة على صحتهم، أو على مستقبلهم أو على معتقداتهم وأفكارهم.
لذلك لا بد من دعم وتقوية الخصوصية الثقافية، والهوية الثقافية الوطنية من خلال وسائل التعليم، والإعلام، والخطاب الديني للحفاظ على شبابنا وأطفالنا وحمايتهم من الانسياق وراء موضات عالمية؛ قد تكون في هذه الحالة لعبة لا تنفع ولا تضر وإن كانت مكلفة مالياً، ولكن قد تكون في حالات أخرى مهددة لصحتهم، أو لمستقبلهم، أو لأمن أوطانهم.