حسن اليمني
توجيه سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء باتخاذ إجراءات لمعالجة ارتفاع أسعار العقار بالرياض هو واحد من أدق إشارات التميّز للسياسات الداخلية في جميع أنحاء العالم، بما يبين ويظهر بشكل جلي وواضح جودة العلاقة بين الحاكم والمحكوم في المملكة العربية السعودية عن غيرها من دول العالم بما في ذلك العربية والخليجية أيضاً.
إجراءات المعالجة لعقدة استعصت واستحكمت في المسار العقاري خاصة في الرياض لم تكن عادية أو مألوفة في العلاقة بين حكومة ومواطن من أي دولة في العالم، ليست مبالغة أو إطراءً دعائياً، ولكن حل إبداعي راق متقدم لقضية موجودة في كل دول العالم ولا زالت مستمرة وخاضعة للمعالجات الروتينية والتقليدية دون وجود بوادر نجاح، في حين ظهرت المعالجة في بلادنا لهذه القضية بشكل متميّز وغير مسبوق وأقرب للنجاح. التميّز في هذا الحل الإبداعي في بلادنا بخلاف ما نرى من معالجات وحلول في بلدان أخرى تظهر في عدّة ملامح تكشف عن أصالة التميّز والإبداع في المعالجات والحلول، على سبيل المثال فإن غالب الحلول التي نراها في كثير من الدول لمعالجة ارتفاع أسعار العقار تظهر في توسعة القدرة على التملك من خلال رفع الأجور والرواتب أو عن طريق تسهيل التمويل من المصارف أو الرهن العقاري لعقود من الزمن وحتى تقديم منح الأراضي في مناطق نائية عن مراكز المدن دون توافر الخدمات، وفي بعض الدول الغنية قليلة السكان يتم توفير السكن المجاني، وفي الواقع كل هذه الحلول تقليدية لا إبداع فيها، وبعضها تم تجريبه في بلادنا وشهِدنا أنه وبدلاً من خفض الأسعار عمل على رفعها إلى أن وصلت مرحلة الاستعصاء والصعوبة، بشكل استدعى النظر بعمق للقضية والبحث عن حلول إبداعية، انتهت بسلسلة إجراءات للمعالجة فاجأت الكثيرين في الداخل والخارج بالتميّز والإبداع استناداً إلى الرؤية العميقة للقضية ومعالجة جذرها وأصلها بشكلٍ صلب ومخلص بعيداً عن المداراة وبحث المكاسب الجانبية.
القضية ليست في أن هذه الإجراءات ستعمل على خفض أسعار العقار فهذا طبيعي ويكفي زيادة العرض على الطلب للوصول للنتيجة، وليست في ترقية التنمية العقارية وزيادة نسب الإسكان وإن كانت ستوفر السكن لكنها ستؤثر في الطبيعة الاجتماعية وترهن مستقبل جودة الحياة للمواطن على مدى طويل قد يجعل الوصول لتملك السكن نقمة على المواطن في التضييق على قدرته المادية، بما يضعف جودة الحياة بدلاً من أن تكون نعمة تزيد جودة حياته وتدفعه للمساهمة أكثر في تحريك الاقتصاد، لكن القضية تظهر في تميز الحل والإبداع في الابتكار للحلول المُثلى الذي يظهر في دخول الأراضي الحكومية لسوق العقار بأسعار في متناول الفرد المواطن بما يتناسب ومتوسط الدخل الشهري وقدرته المالية، هذا أقرب الحلول المنطقية لمعالجة مثل هذه القضية - أي ارتفاع أسعار العقار - كإجراء علاجي بتشخيص صحيح وسليم يضمن الشفاء والمعالجة، هذا هو روح ومضمون ما ساقته إجراءات معالجة ارتفاع أسعار العقار في الرياض، وتبقى الإجراءات والنظم والشروط للوصول لهذا النجاح خاضعة أو مستوجبة للإبداع والابتكار مثلما حصل في المضمون والروح.
وزارة الإسكان كانت اجتهدت وعملت بكل قوة لرفع نسب التملك للسكن، لكن الإجراءات والشروط للوصول إلى رفع النسب وإن نجحت في ذلك لكنها بذات الوقت رفعت سعر العقار وأضعفت بشكل قوي قدرة الفرد المادية وأربكت جودة حياته ورهنت مستقبله وحصرت غايات حياته في التملك للسكن دون اعتبار لحوائج الإنسان الحياتية والاجتماعية والأسرية - ولا حاجة للدخول في تفاصيل - لذا لا يمكن القول إن ما قامت به وزارة الإسكان من معالجات لحل قضية ارتفاع أسعار العقار كانت ناجحة، بدليل استمرار الارتفاع إلى أن وصل حد العجز وتلاشي القدرة للمواطن متوسط الدخل بل أثرت على باقي التعاملات العقارية بما في ذلك التملك والتأجير.
التوجيه الكريم الصادر من سمو ولي العهد لمعالجة ارتفاع أسعار العقار حدد إجراءات وشروط ذلك من خلال وضع حد أعلى للسعر يتناسب فعلياً ومتوسط الدخل، وأعطت مهلة عشر سنوات للاستفادة من جودة السعر، وأبعدت شرط أن تكون متزوجاً ولديك طفل - ولا أدري ما حال العقيم - واستبدلته بالمتزوج أو متجاوز سن الخامسة والعشرين - سواء كان ذكراً أو أنثى - وفي هذه الجزئية تجد علامة الجودة والصحة في الإجراء وتميزاً ظاهراً وواضحاً للمعالجة الأخيرة تحت توجيه سمو ولي العهد مختلف عن اشتراط وزارة الإسكان المقتصر على المتزوج وبوجود طفل وهو من الشروط التقليدية الخالية من أي إبداع أو ابتكار بل تستشف منه التعجيز والحصر للمستفيدين.
الجزء المعطل الذي بكل أسف لا زال قائماً في توجيه سمو ولي العهد ومتناسقاً مع تجربة وزارة الإسكان في المعالجة هو أن لا يكون قد استفاد من الصندوق العقاري حتى وان اثبت المتقدم عدم ملكيته لعقار خلال الخمس أو العشر أو العشرين سنة الماضية، ولا يمكن فهم ذلك إلا لعدم استيعاب الحال الاجتماعي وقراءة ظروفه وقدراته بالتحولات المرحلية، فكل إنسان مهما كان لابد أن يمر بظروف ومنعطفات في حياته تحوله من غني إلى فقير أو من فقير إلى غني، من قادر إلى عاجز ومن عاجز إلى قادر، من خفيف الحمل والأعباء إلى ثقلها ومن ثقلها إلى خفتها، ظروف الحياة والتواءاتها حين لا تؤخذ بالحسبان فأي إجراء أعمى لا يبصرها هو ناقص، وليست العبرة في ارتفاع نسب التملك كرقم ولكن العبرة في معالجة الاحتياج الفعلي في المضمون والمحتوى المؤثر في صحة وسلامة الطبيعة الاجتماعية، والأصح أن يكون الاشتراط بعدم التملك لمدة تمتد إلى خمس أو عشر أو حتى عشرين سنة لأن هذا بحد ذاته شاهد كافٍ للأحقية لمن يبحث عن معالجة حقيقية في المضمون للاحتياج، بمعنى أن الغاية من المعالجة تمكين المحتاج فعلاً لسكن أكثر من أن تكون الغاية في زيادة أرقام النسبة بأقل التكاليف وأضيقها، فهذا ليس إبداعاً ولا ارتقاء في المعالجة بل انتهازية في الاستفادة من الظروف لكسب النجاح الظاهري دون الوصول للنجاح في المضمون، وهو يشبه تقديم السكن المجاني للمواطن وتحمل أعباء الماء والكهرباء والهاتف عن المواطن بما يجعله عالة وترفاً ظاهرياً لا يخدم مضمون البناء الاجتماعي، وهو كذلك يشبه تسهيل السكن من خلال رهن مستقبل المواطن لعقود من الزمن في ضيق مادي وعجز عن مواجهة ظروف الحياة ليس إلا لغاية نجاح ظاهري في الأرقام لا أثر له في الجودة الاجتماعية.