: آخر تحديث

سوسن ولوحة السوسن

3
3
3

أحمد المغلوث

خرج الجد من باب الحمام بعدما أخذ «شاور» وتوضأ لصلاة الجمعة، وفوجئ بعدم وجود طقم أسنانه الذي وضعه على طاولة الممر. شعر بدهشة ماذا يفعل كيف اختفت الأسنان «العيرة» التي جعلته في حيرة بخطوات وئيدة. دلف لصالة المعيشة وإذا بابنته الكبرى تبتسم وهي تلوح بالأسنان وتقول: ضحكتنا حفيدتك «سوسن» وهي تبكي جدي طاحت أسنانه يايمه اشلون ياكل وشلون أشوف ابتسامته وطمنتها، وهديت من روعها وراح الجد يبتسم وهو يخفي فمه الذي بات أشبه بمقارة «جبل قاره» وعينا ابنته السوداوان تضحكان ويدها على خصرها الرشيق وهي تقول لوالدها، وهي تعاتبه بلطف كم مرة يا بوي الله يحفظك تترك طقم أسنانك بعيداً عنك، وكم مرة أحضرت لك علبة شفافة علشان تحفظهم فيها ومع هذا دائماً يا حبيبي يا بوي تنساهم وكم مرة وكم مرة، فتطلع إليها والدها وكم مرة وكم تقولين لي نفس الكلام. وهو ممسك بعصاه ذات المقبض العاجي خلاص والله أفهم، ومن بكره بربطهم في علاق مثل علاق نظارتي ويصير عندي اثنين علاق واحد للنظارة والثاني للأسنان عندما استحمّ أو عند النوم.

هزت ابنته رأسها، وعادت تقول اللي تشوفه يا بوي يا حبيبي والسموحة إذا أزعجتك. ثم مدت يدها له بطقم أسنانه، ترى قمت بتنظيفهم عندها وقف أمام «مراية» الصالة الكبيرة وراح يضع طقم أسنانه في فمه ويحسن وضعه. ثم تسللت نغمة إحساس بالسعادة فحفيدته الحلوة سوسن هي التي أخذت هذا الطقم فبات في أيد أمينة، والحمد لله أنه يستطيع بثقة أن يذهب لصلاة الجمعة بدون كمامة تخفي (الفجوة) أو الفراغ بدون أسنانه التعويضية. والتفت بعدها لابنته وهو يقول: حسناً فعلت ابنتك وسلمتك أسناني.

ولا رحت الجامع وشكلي ثاني، ولم تبرح نظرة وكلمات المزاح وحتى السخرية التي باتت تعود إليه كلما تكررت حالات فقده لهذا (الطقم)، وغيره الذي بات بالنسبة له كأهمية عصاته الثمينة التي يتوكأ عليها في هذا العمر، وانفرج فم ابنته بابتسامة وهي تتطلع إليه وهو يحسن وضع غترته الشماغ البيضاء وعقاله، وقالت ما شاء الله عليك يا بوي الله يرحم أمي كانت محظوظة بأنك تزوجتها. فنظر إليها نظرة حب وإكبار. وقال وهو يعطيها ظهره خارجاً العكس صحيح. يا بنتي. أنا المحظوظ أكثر أكثر.

وهو في طريقه للجامع مشياً على قدميه والذي كان قريباً من بيته، طرأت على باله زوجته الراحلة وكيف كانت تعطره وتبخره قبل خروجه من البيت لصلاة الجمعة. تذكر ذلك متألماً ودعا لها بالرحمة وحمد الله كثيراً على ما أنعم الله عليه من خير كثير، وعاش ليشاهد أحفاده وحفيداته.. وعند عودته من الصلاة وحال مشاهدته بقالة الحي دلف إليها وطلب نوعاً من الشكولاته وأقماع الآيسكريم التي تحبها حفيدته. شعر بسعادة أنه بعد قليل سوف يكافئ حفيدته «سوسانوه» كما يحب أن يناديها بل إنه هو الذي اختار لهذا الاسم عند ولادتها. وكل من سمع باسمها شكر من اختاره فهو اسم فيه نغمة وموسيقى ناعمة كجمال ونعومة صاحبته، وعندما سأله والدها فهد كيف خطر على بالك هذا الاسم الجميل؟ رد باسماً شاهدت لوحة زهور السوسن للفنان جوخ. فأحببت أن يكون اسمها «سوسن»، والحمد لله كان اسمها مناسباً لها جداً والكل أعجب به.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد