: آخر تحديث

الرقم الأخير

11
9
8

عبد الله سليمان الطليان

الفخر وحب التميز أصبحا في حاضرنا في تفاعل قوي يمر عبر تملك المال وبشراهة هائلة مقترن معه الحصول على البنون وإن كان بدرجة أقل في نسبة الاهتمام، لقد أصبحت الأرقام هي عنوان حياتنا اليوم سواء كانت بسيطة أو كبيرة تخضع لمصادر الدخل، إنها تزداد مع الوقت في نهم جارف للحصول على المال ولن يكون هناك رقم أخير حتى الرمق الأخير، نجهد العقل والجسد ونبحر بهما في نجاح وفشل مصحوباً بالعقبات والكبوات ولن يكون مرض الجسد عائقاً أحياناً، ونمضي في لهاث وسباق محموم يسرق الوقت بشكل يخفي أعمارنا، ويتسرب شيئاً فشيئاً أفول العمر المتدرج وتشيخ الوظائف الحيوية مصحوبة بالضيق والسأم والملل وتجدب البشرة وتبرز التجاعيد ويشتعل الرأس شيباً، ويدخل الجسد إلى مرحلة أرذل العمر يقول الله تعالى: {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}، وتبدأ الذاكرة في مد وجزر بين النسيان وعشوائية المعلومات المتضاربة، ويكون الركون إلى الوحدة والسكون والصمت وحب الهدوء هو الغالب الذي يجعل الجسد بين غفوة ويقظة متقطعة.

لم يعد هناك قدرة للبحث عن الرقم الأخير، لقد ذهب العنفوان والقوة والزهو بأرقام الدخل التي لا تتوقف يحسبها يوماً بعد يوم يعانق النجاح ويتغلب على العقبات بعقله وذهنه المتوقد له بصيرة ثاقبة يختال بها أحياناً فيغرق في السخرية والازدراء لغيره، الآن لا يكاد معرفة الأعداد ولا يميز أوراق النقد، لقد ضعف البصر، مقاومته توقفت عند رقم ثروته الذي هو مقارب لرقم عمره الهرم، إن حبل التشبث بالحياة بدأ في الاهتراء والتمزق استعداداً للرحيل إلى التراب الذي يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ولا يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلَّا التُّرابُ) في معنى آخر يقصد في القبر.

أخيراً هذه هي رحلة العمر في هذه الحياة التي تسري على جميع الخلق، وهناك استثناء من تتوقف رحلته بشكل مفاجئ فيخطفه الموت الذي يمكن أن يكون راحة له وهذا قدر الله عالم الغيب الذي يقول سبحانه وتعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (34) سورة لقمان، آية المسلم لا تجعل قلبك غافلاً تجاهد بشراسة في أرقام الدنيا وتنسى أرقام الآخرة ورصيدها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.