كان الزميل الصديق سامي البحيري مدمناً على مشاهدة الأفلام السينمائية، وهو صغير، وعندما كان يشاهد عبدالحليم يغنّي بصوت عالٍ على كورنيش النيل، كان يتساءل عن مصدر الموسيقى، وإن كانت تقع خلف الشاشة؟
عندما كبر عرف أن العمل كله خيال، يهدف المخرج والمنتج من ورائه إلى أن نرى الجميل، ولو كذباً، فهذه من مهام السينما، فأغلبية أفلام هوليوود كانت تنتهي نهاية سعيدة، بتغلّب البطل على عدوه الشرير، ليتزوج حبيبته. وأن يجعلوا المشاهد يقع في حب بطلة أو بطل الفيلم، لذا كان أغلبية الممثلين يخفون أخبار زواجهم، ليستمر حلم المعجبين بهم.
كما اكتشف صاحبنا أنَّ معظم أحداث الأفلام التاريخية عبارة عن تجميل للواقع، وخلق أبطال من الهواء.
ففي فيلم نابليون، نجده يعود لباريس من ميدان معركته مع روسيا، فور سماعه خبر خيانة زوجته جوزفين له! هذا لم يحدث في الواقع، ولكن تم اختراعه لكي يبدو نابليون مختلفاً، وتباً للحرب، وفي احتمال هزيمة جيشه.
ومن الأحداث التاريخية، التي تعلمناها صغاراً، بطولة طارق بن زياد على شاطئ الأندلس، عندما قام بحرق أسطوله، وقال لجنوده: العدو أمامكم والبحر خلفكم، فأين المفر؟ فأي قائد يحرق أسطوله؟ وهل كان جنوده بذلك الجبن؟ كما أن الأسبان لم يكونوا أعداءً، لكن طارق بن زياد قرّر أنهم كذلك وغزا بلادهم، واعتبر أية مقاومة عملاً عدوانياً. والطريف أن طارق بن زياد كان أمازيغياً، ولم يكن يتقن «العربية» أصلاً، وأسره خليفة أموي وتعرّض بما يكفي من التنكيل في سجون الشام!
وهناك قصة «وامعتصماه» الخرافية - باعتقادي - والتي قالتها مسلمة في مدينة عمورية، من أنطاليا، عندما أهانها جندي مسيحي، فاستنجدت بالخليفة العباسي المعتصم بالله، حيث سمع صرختها، ففارت الدماء في عروقه، لأن امرأة مسلمة أهينت، فقاد جيشه لعمورية، واستولى عليها، ولا أحد يعلم اسم تلك المرأة، ولا رقم بطاقتها المدنية، وماذا حدث لها بعد ذلك، لأن القصة برمتها «مفبركة» كما أظنّ!
يقول كاتب السيناريو العراقي المعروف، حامد المالكي، إنه كان يفبرك القصص الإسلامية، لبيعها للمنتجين، الذين كانوا يرفضون شراء القصص الحقيقية منه. وأن 90 بالمئة من المسلسلات الإذاعية والتلفزيونية كاذبة. وهكذا مع أفلام صلاح الدين وغيرها، فمعظم أحداثها مضللة وغير واقعية، وأنتجت لإرضاء القيادة الناصرية، حينها، لأن شخصية صلاح الدين كانت تطابق بطل استرداد القدس.
كما أتذكر، عندما عرض فيلم «قصة الحي الغربي» West Side Story في سينما الأندلس عام 1961، أن أصحابي طلبوا مني مغادرة الصالة، أو الجلوس في مكان آخر، بعد أن سخرت من قيام البطل الأمريكي الأبيض رتشارد بايمر، بالغناء في حي اسباني بوتوريكي، لحبيبته السمراء ناتالي وود، ليرتفع صوته عالياً منادياً «ماريا»، في منتصف الليل، وكيف أن نافذة واحدة فقط، بين آلاف النوافذ الأخرى، انفتحت، لتشاركه ماريا الغناء، علماً بأن اسم نصف بنات ذلك الحي، كان ماريا!
تعليقي أفسد الجو الرومانسي على أصحابي، فقرروا طردي من المكان.
أحمد الصراف