في ليلةٍ من ليالي السعودية الحالمة، التي اقتربَ شتاؤها، وفي مجلسٍ من مجالسها، وأحاديث سمرها، مجلس معالي الشيخ عبد العزيز بن علي التويجري، الذي يحفّه الوقار، ويلفه عددٌ كبير من المثقفينَ من شعراء ورجال فكرٍ وتاريخٍ وأدب، بُدئ الحديث عن القمة العربية الإسلامية الاستثنائية 2024 وهي القمة الطارئة المشتركة بين دول جامعة الدول العربية ودول منظمة التعاون الاسلاميّ، التي عقدت في اليوم نفسه، وفي عاصمة المملكة العربية السعودية، عاصمة الثقافة، تلك القمة التي عُقدت برئاسة صاحب السمو الملكيّ الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولي عهد المملكة العربية السعودية رئيس مجلس وزرائها، نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -يحفظهما الله-... في هذا المجلس؛ دارَ الحديثُ عمّا تعيشه المملكة من أمنٍ واستقرارٍ بفضلِ الله، وما قامَ به موحّد المملكة، وباني نهضتها، وناشرِ عزّها المغفور له -بإذن الله- الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل فيصل، ومن ثمّ أبناؤه الذين ساروا على نهجه... تطرق الحديث في هذا المجلس الثقافيّ عن المملكة في يومها وأمسها، وما كانت عليه واستشهدَ أحد المتحدثين بالعقيلات، وهم جمع عقيليّ، أولئك الذين يعتمرون العقال الأسود، وبه يوثقونَ إبلهم، في قدميها بعد ما تنوخ، عُرفوا بذلك في بادية الشام ومصر والسودان، يمتهنونَ التجارةِ في تلكم البلدان، وينقلونَها أيضًا إلى بلاد نجد وما حولها، وقد يغيبُ بعضهم سنينَ طوال، وقد يذهب ولا يعود، وما كانَ ذلك إلا لضيق العيش في بيئتهم الصحراويّة؛ حيث إنها بيئة طاردة، لقلّة مائها وشجرها وما يحفّها من فقرٍ وعوَزٍ وقلّة أمن، وذلك قُبيل وبُعيد تأسيس الدولة السعودية الأولى على يد الإمام المؤسس محمد بن سعود -رحمه الله- في العام 1727م، وعقّبَ معالي الشيخ عبدالعزيز بن علي التويجري على هذا الحديث بحبّذا أن يطّلع شبابنا وشاباتنا على ذلك، ليعلموا أنّ ما هم عليه من نِعَم ورغدِ عيش وسعة رزق وأمنٍ وأمان لم يأتِ من فراغ، بل جاء بعد لأي وتعب ونصب وتضحيات من المؤسس -رحمة الله عليه- محمد بن سعود، وجهد وجهاد من موحّد بلادنا المغفور له -بإذن الله- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في العام 1932م، وأردفَ قائلاً: حبّذا من وزارة الثقافة ومن الهيئات وأصحاب الاختصاص أن يوثّقوا رحلة العقيلات بعمل أفلام وثائقية عنها، وتأليف كتب وقصص قصيرة تناسب الأطفال والتعليم العام؛ حيث ما أُلف عن أولئك قد لا يحتاج إلى المزيد. وعلى المدارس في التعليم العام أن يكون لهم دور في إبراز حياة المجتمع السعوديّ قبل تأسيس وتوحيد المملكة على يد المغفور لهما بإذن الله. ويضيف مضيف هذه الندوة أو الجلسة أو الملتقى أنّ ما عليه بلادنا اليوم من ازدهارٍ ورقيّ وحضارة فاق التخيّل أو التصوّر لم يكن بذلك الأمر السهل، وإنما جاء بجهدٍ متتابع ولبنات بعضها فوق بعض من لدن ملوك المملكة العربية السعودية وحتى هذا العهد المبارك عهد سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكيّ الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله-، ومن خلال الرؤية الوطنية المباركة 2030، التي من خلالها ومن خلال برامجها أصبحنا نلحظ التقدم المتسارع؛ الذي وصلت إليه المملكة العربية السعودية في غضون سنوات قليلة تكتمل في العام الثلاثين بإذن الله، وسيستمر الخير بعد ذلك -بعون الله- ويضيف قائلاً: نلحظ أنّ بعد ما كانت بلادنا طاردة، ويبحث أهلها عن رزقهم في الأمصار، أنّ المقيمين الآن في بلادنا نحو 13.38 مليون نسمة، ما يمثّل 41 بالمئة من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم ما يقارب 33 مليون نسمة، يحوّل أولئك المغتربون والوافدون في بلادنا ما يقارب المئة مليار ريال أو ما يعادل 26 مليار دولار في التسعة الأشهر من العام 2023م. ويعقّب أحد الحاضرين على ذلك بقوله: إن بالأمس أُقيم منتدى للاستثمار وهو منصة لتعزيز الحوارات وتحفيز العمل المشترك لصياغة سياسات واستراتيجيات الاستثمار العالمية. وفي هذا المجلس الذي يحفّه الوقار وتغشاه الطمأنينة؛ أتعجب من الغذاء الروحيّ والثقافيّ، أم من حسن الاستقبال والبشاشة من بني وأحفاد معالي الشيخ عبد العزيز بن علي التويجري؛ الذينَ ينظرونَ إلى أعينِ أبيهم؛ فيدركون ماذا يريد، تجدهم في الاستقبال والتوديع، يقومون بخدمة ضيوف والدهم، وهذا ولا شك نتاج تربية وجينات توارثوها كابرًا عن كابر... كم أنتِ عظيمة أيتها السعودية، بولاة أمرك وشعبك، وأحاديث مجالسك الثقافية العذبة، عظيمة بسياستك، وبصحتك، وبتربيتك، عظيمةٌ باقتصادك، كل ذلك انعكسَ على مجتمعك؛ فأصبحَ المجتمع لحمة واحدة... دُمتِ كما أنتِ أيتها السعودية العظيمة، عزيزة شامخة، تزدادين عظمةً وشموخًا، فولاة أمرك جعلوا منك أنموذجًا في شتّى مناحي الحياة بعد ما كنتِ صحراء جادبة طاردة يبحث أهلها عن الرزق كالعقيلات في الأمصار، فأصبحَتِ بلادًا جاذبة، يهوي إليها الناس، ليعيشوا ويعتاشوا في كنفها.
كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!
مواضيع ذات صلة