: آخر تحديث

الستينيات.. والطفل السمين

4
3
4

أعطتني ابنتي قائمة طعام حانوت مدرسة أطفالها، مبدية استنكارها لنوعية الأطعمة، التي تباع لمن هم في السادسة من العمر، وأغلبيتها غير صحية junk food سريعة التحضير، كثيرة الربح لمن يبيعها. يحدث ذلك بالرغم من أن كل المؤشرات تبيّن تصاعداً خطيراً في معدلات السمنة بين الأطفال، وهي ظاهرة منتشرة في الدول الثرية.

من مضاعفات السمنة، التي لا يود الكثيرون الالتفات إليها، خصوصاً لدى الأطفال، زيادة احتمال إصابتهم بالنوع الثاني من السكري، وارتفاع الكوليسترول الضار وتسببه في الإصابة بمرض ضغط الدم، وما له من مخاطر مستقبلية قاتلة، بخلاف آلام المفاصل ومشاكل التنفس وغيرها.

كما للسمنة تأثير على الصحة العقلية للطفل. فقد تتسبب في اضطراب نومه وشعوره بالقلق والاكتئاب، وانخفاض احترام الذات، بسبب سخرية الأطفال منه. كما يعيقهم وزنهم الزائد عن المشاركة في أنشطة رياضية كثيرة، ويجدون مشكلة حتى في اختيار أو ارتداء ملابسهم.

وقد لاحظت بعض الأمهات تسابق الأطفال على الكانتين، فور خروجهم للاستراحة. ويضطر الأغلبية للانتظار طويلاً للحصول على شريحة بيتزا أو عصير محلّى، وهذا يحرمهم من متع مشاركة الآخرين لعبهم وجريهم، وبقية الأمور الضرورية لنمو شخصياتهم وصحتهم الجسدية والعقلية.

يحتاج الطفل لوجبة غذائية، وهو في المدرسة، ومصدرها يكون إما من خلال ما يجلبه معه من البيت، أو ما يشتريه من الكانتين، أو ما يقدم لهم من مطبخ المدرسة.

للطريقة الأولى مساوئها، ومشاكلها، وللثانية مخاطرها الكبيرة، أما الثالثة فتكلفتها عالية، ولا تطبقها إلا مدرسة وربما اثنتان، وهي الطريقة الأمثل، وكانت مطبقة في الخمسينيات والستينيات، وتلاشت مع الوقت، حيث كانت المدرسة لا تكتفي بتزود كل تلميذ بزوجين من الأحذية، كل عام، وطقم ملابس كامل مع بنطلون إضافي وقميصين، بل وتقدم وجبة طعام غنية تحضّر في مطبخ الوزارة المركزي، يتساوى في تناولها ابن الشيخ من دسمان، وابن السايس من الصمان، تتضمن كل ما يحتاجه جسم وعقل الطفل من سعرات حرارية وفيتامينات وبروتين، وكلها ضرورية لنمو الطفل.

لمحاولة تقليل حجم الضرر، قمت بالاتصال بوكيل الوزارة المعني بالأمر، وبينت له الوضع، فتجاوب فوراً، وأرسل، كما أبلغني، مفتشين لعدد من المدارس، وكان في طريقه لدخول التاريخ من أوسع أبوابه، حيث كان بإمكانه، بتعميم بسيط، إنقاذ صحة عشرات آلاف الأطفال، من خلال فرض نوعية طعام أفضل تباع لهم من خلال حوانيت المدرسة، إضافة لتحقيق وفر يبلغ مئات ملايين الدنانير مستقبلاً من فاتورة تقديم العلاج لمن كانوا يوماً أطفالاً، لكن لم تهتم جهة بما كانوا يتناولونه من طعام ضار، وهم صغار.

بعد أسبوعين من الانتظار، بقي الحال في حوانيت المدارس على وضعه، وربما تغلّب الجشع على المصلحة العامة!

***

تقول اختصاصية التغذية مريم الحمد إن ما يتناوله الطفل في السنوات الأولى من حياته، وحبه لبعض الأطعمة، يبقى معه للأبد، وهذا ما يجعل من الضروري جدا الاهتمام أكثر بنوعية ما يباع للأطفال من طعام في حوانيت المدارس، وحسن اختيار ما يتناولونه في البيت، مع عدم حرمانهم حتى من الأطعمة السريعة، بين الفترة والأخرى، فالمنع يولّد رغبة أكبر في تناولها.

كما أن من الضروري تدخّل وزارة التربية، ودراسة هذه الظاهرة الخطرة، ووضع الحلول المناسبة للوضع الحالي الخطر صحياً.


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد