يعتقد بعض الاقتصاديين الغربيين أن لدى الصين مشكلة في فائض الإنتاجية، مما يدعوها للتخلص من هذا الفائض عبر تصديره إلى الأسواق الأخرى، الأمر الذي جعل الغرب يتبنى سياسات متشددة في مواجهة الإغراق الصيني، والسؤال: هل ادعاء الغرب بشأن الطاقة الزائدة في الصين صحيح؟ وهل الإعانات وحدها هي التي تؤدي إلى تراكم الطاقة الفائضة، أم أن هناك مشكلات هيكلية في القطاعات الإنتاجية في الغرب؟.. وسواء كان هناك طاقة فائضة في الصين أم لا، فإن الأمر يعتمد على كيفية قياس الطاقة الفائضة، فإذا تم تعريف الطاقة الفائضة على أنها الفارق بين الإنتاج المحتمل والإنتاج الفعلي، فإن هناك طاقة فائضة في الصين إلى حد ما، ومع ذلك، هناك فارق ضخم بين أضرار الطاقة الفائضة في الصين، وبين نسب رسوم مكافحة الإغراق، والمبالغ فيها إلى حد بعيد.
بالرغم من أن الطاقة الفائضة تعتبر مشكلة شائعة في التنمية الاقتصادية العالمية، إلا أن معدل استغلال القدرة الفائضة في الصين يقع ضمن النطاق المعقول، فهو على قدم المساواة مع نظيره في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والبرازيل والكثير من الاقتصادات، والسبب الجذري للطاقة الإنتاجية الفائضة في الصين هو ضعف الطلب العالمي، ولمعالجة هذه المشكلة، تعمل الصين على تعزيز الطلب المحلي، وعلى سبيل المثال، لو استعرضنا أرقام ثلاثة صادرات مهمة للصين، وهي السيارات الكهربائية، وبطاريات الليثيوم، والخلايا الشمسية، فحتى لو لم تقم بكين بتصدير هذه المنتجات الثلاثة للخارج، فإن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على تصديرها للاستيلاء على السوق، والسبب لا يكمن في أن واشنطن لا تقدم إعانات دعم للقطاع المحلي، لكن السبب هو أن أميركا لا تملك سلسلة صناعية كاملة لدعم إنتاجها، وهذا يعني، أن المنتجات الصينية الثلاثة لا تحقق نجاحاً في السوق العالمية بسبب الإعانات فقط.
تجارياً، عندما نحكم على مدى تأثير الإعانات الحكومية على الصادرات، فلا بد أن يكون المعيار هو مدى توافق هذه الإعانات مع قواعد منظمة التجارة العالمية، وبهذا المعيار، سنجد أن الإعانات الصناعية الصينية هي عبارة عن إعانات دعم للبحث والتطوير، وتحفيز للابتكار التكنولوجي، ولا تنتمي إلى فئة الإعانات المحظورة (الضوء الأحمر) في منظمة التجارة العالمية، كما أن المستفيدين من هذه الإعانات هم الشركات ذات هياكل الملكية المختلفة، أي الشركات الحكومية، والخاصة، والشركات ذات التمويل الأجنبي، وإذا كانت الصين تتمتع بأكبر حجم صادرات في العالم، وذلك بنحو 41 تريليون يوان (5.6 تريليونات دولار)، فإن هذا الأمر يعود في المقام الأول إلى الميزة النسبية للسلع الصينية الرخيصة، والتي تملك أيضاً قدرة تنافسية عالية، لكن هذه الميزة النسبية لا تمثل القصة بأكملها.
باختصار، ليس عليها أدلة كافية ومبررة للعديد من السياسات الغربية المتشددة تجاه الصين والمستندة إلى تصورات حول أسطورة الطاقة الإنتاجية الفائضة، وعلى سبيل المثال، فإن صادرات السيارات الصينية إلى الولايات المتحدة لم تتسبب في ضرر كبير لصناعة السيارات الأميركية، لأن الصادرات الصينية تمثل نسبة ضئيلة تبلغ 1 % من إجمالي مبيعات السيارات في الولايات المتحدة، وهي نسبة لا تكفي بكل تأكيد لإحداث ضرر كبير للصناعة المحلية، ولن يكفي فرض رسوم إغراق على السلع الخضراء الصينية في تعزيز الصناعات الأميركية، لأن الأمر يتعلق بسياسات أميركية سابقة أدت إلى تفريغ الصناعة وسط سلسلة قيمة غير مكتملة، مما يعيق تطوير صناعة السيارات الأميركية، في المقابل، لا تعد تدابير مكافحة الإغراق معقولة أو متناسبة مع حجم الضرر، ففي الوقت الذي يبلغ فيه متوسط معدل الضريبة في الولايات المتحدة 37 %، نجد رسوماً أميركياً بنسبة 100 % على السيارات الكهربائية المستوردة من الصين.