: آخر تحديث

اعتزّوا بالعربية

19
19
16

مريم البلوشي

سافرت كثيراً في يوليو، ما بين العمل والإجازة، ورأيت مدناً كثيرة في مدد قصيرة، جولات تاريخية، ترفيهية، ترويحية، فيها الكثير من قصص التعلّم من التاريخ، وما يجري حالياً في الساحة العالمية، من أولمبيات، صار فيها المُرضي والمستفز في آن واحد، وبين التقلّبات السياسية في إحدى الدول الكبرى، وكيف أن الوقت الراهن تحدٍّ كبير للحفاظ على أصالتهم، وهُويتهم، واستقرارهم، وأمنهم وأمانهم، والهدوء بين أناس بسطاء، لا يهتمون بما يجري عالمياً، وحالات الإجهاد التي قد تصيبك من متابعة بعض الأخبار. وبين مجتمع يغالط الفطرة والقيم التي خلقنا الله عليها، في حجة الحب والقبول والرفض، والصراع على من يستحق البقاء على أرض ما، ولماذا.

وبين مدن كانت عنواناً للنظام والنظافة والأمن والأمان، وأصبحت اليوم طاردة لأي إنسان يدخلها، وبين كل ذلك، كان ما يُجبر قلبي على الإنصات والتعجب والنفور أحياناً: صورتنا «نحنُ»!

نحنُ، الذين نسافر في الدنيا، ولله الحمد، ولا تعوقنا حدود أو إجراءات، أو حتى ينظر إلينا نظرة التعجب، بل نحترم اسماً وانتماءً؛ فصرنا مثلاً جميلاً للإنسان المتقبّل المتوازن (وأصرّ هنا على المتوازن، الواعي لما هو الصواب والخطأ في كل ما يرى ويسمع ويخالط).

لكن المثل الجميل أصبح في نظري فيه خلل يجبرنا على أن ننصت، خلل الهُوية واللغة التي بدت تتسرّب منا، وتجري بعيداً في تيار قوي جارف، وأقصد هنا نحن أبناء هذا البلد، ليس جيلي ولا جيل من قبلي، ولكن الجيل الذي يتربّى على أيدينا نحن كلنا، من هو؟ في المطارات أرى الأهالي قد تغيرت أشكالهم وتصرفاتهم، ولا ضرر إن كان من باب التخفّف والاستمتاع بالإجازة، ولكن أين ضاعت لغتنا؟ أين الأسرة وحوارها باللغة الأم؟ وأين ما يقال عنه: تأصيل الثقافة العربية فينا؟ في موقف عادي؛ اشتريت لأحدهم هدية، وكتبت البطاقة بالعربية وبخط جميل، لأصدم لحظة فتحه للهدية، كيف يتهجّى الحروف، ويستصعب قراءتها، بل لم يعرف قراءتها وقال لي «لو كتبتها بالانجليزية أفضل»، فصار التبرير بأنه خطئي.

نحن نهيئ أجيالاً لا يمكن أن تجاريهم باللغة الإنجليزية، وإن رأيت بعضهم يمارس اللغة «السوقية»، ما المسخ الذي نوجده نحن اليوم بيننا؟ اللغة وسيلة، وما يضرّ أكثر أنها انعكست على تصرفاتهم، وحواراتهم وانجرافهم لما يخيف، وأقول هنا: اعتزوا بالعربية وجمالها، بما فيها من تعليم مباشر للقيم والأخلاق والدين؛ لا أدري كيف يقرأ أبناؤنا القرآن اليوم، إن كانوا لا يقرؤون حروفه؟ وكيف تتأصل فيهم أخلاق القرآن، إن كانوا لا يعرفون معانيه؟ وكيف يعرفون سيرة النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، إن لم يسمعوها ويقرؤوها بالعربية؟ اعتزوا ولا تخجلوا..


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد