سميح صعب
نقلت روسيا وأوكرانيا حربهما إلى بؤرة أفريقية أخرى، بعد الخسائر الكبيرة والمفاجئة التي تكبّدها الجيش المالي ومجموعة "فاغنر" الروسية، التي تدعمه في قتال فصائل متمرّدة بشمال مالي، قبل أكثر من أسبوع.
صحيح أن أوكرانيا لم تعترف بدعم المتمرّدين بشكل مباشر، لكن تلميحات رئيس استخباراتها العسكرية أندريه يوسوف إلى أن كييف قدّمت معلومات إلى المتمردين كي يتمكنوا من إنجاز هجومهم، أثارت الشكوك لدى موسكو بأن أوكرانيا قرّرت فتح "جبهة ثانية" في أفريقيا ضدّ روسيا، خصوصاً في دول تقيم علاقات وطيدة مع الكرملين، وفق ما صرّحت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا. وردّت مالي وحليفتها النيجر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع كييف.
في الواقع، ليست مالي الدولة الأفريقية الأولى التي تتقاتل فيها روسيا وأوكرانيا، إذ تمكن الجيش السوداني في أوائل العام من توجيه ضربات موجعة إلى قوات الدعم السريع في الخرطوم وأم درمان بفضل مستشارين أوكرانيين يستخدمون سلاح المسيَّرات.
وبرّرت أوكرانيا المساعدة التي قدّمتها للجيش السوداني بأنها محاولة لحرمان روسيا من الموارد المالية التي تحصل عليها عبر شركة "فاغنر" التي تساعد قوات الدعم السريع، وتحصل في المقابل على كميات من الذهب من جبل عامر في إقليم دارفور الذي تسيطر عليه هذه القوات.
والآن، تطارد أوكرانيا على ما يبدو شركة "فاغنر" في دول الساحل جنوب الصحراء، التي نسجت في العامين الأخيرين علاقات وطيدة مع موسكو، بعد التخلّي عن فرنسا، الدولة المستعمرة لهذه المنطقة والتي احتفظت معها بعلاقات تاريخية بعد مرحلة الاستقلال.
هل تساعد أوكرانيا فرنسا في الانتقام من روسيا عبر تكبيد مجموعة "فاغنر" خسائر فادحة في السودان أولاً، ومن ثم في منطقة الساحل؟ ومعلوم أن "فاغنر" خاضت معارك شرسة ضدّ القوات الأوكرانية في مدينة باخموت بمنطقة دونيتسك بشرق البلاد على مدى أشهر، لتنتهي بانسحاب أوكرانيا منها.
وبعد مقتل مؤسس "فاغنر" يفغيني بريغوجين في حادث تحطم طائرة في صيف العام الماضي، وضعت وزارة الدفاع الروسية المجموعة العسكرية تحت أمرتها المباشرة، ويتركز وجودها في دول أفريقية لضمان مصالح روسيا هناك.
التطورات العسكرية في شمال مالي لا تطمئن روسيا، وتجعلها أكثر خشية من دور أوكراني أوسع في مساعدة المتمردين في هذا البلد، علماً أن بعض الفصائل المتمرّدة تنسق مع تنظيمات جهادية تنتشر في مالي وباقي دول الساحل مثل بوركينا فاسو والنيجر.
ما يجري في أفريقيا قد ينسحب على مناطق أخرى من العالم. وحيث ستجد أوكرانيا أن في وسعها ضرب المصالح الروسية، فإنها لن تتأخّر في ذلك. ولا تحتاج كييف إلى مقدّرات كبيرة لفعل ذلك، بل إلى حفنة من الخبراء في المسيَّرات، الذين سيكون في استطاعتهم قلب موازين القوى على الأرض. وقد أثبت الجيش الأوكراني تفوقه في سلاح المسيَّرات في مواجهة الجيش الروسي.
وعليه، عثرت أوكرانيا على ثغرة تعبر منها إلى مساعدة خصوم روسيا في القارة السمراء. نموذج قد يكون مرشحاً للانتقال إلى مناطق أخرى من العالم، وكأن القتال المباشر على الجبهة في أوكرانيا والضربات الصاروخية المتبادلة على البنى التحتية في البلدين لا تكفي.
إن النفوذ الروسي في منطقة الساحل قد يكون على المحك، في حال مكنت المساعدة الأوكرانية القوات المتمردة في هذه الدول من توسيع رقعة نفوذها على حساب السلطات المركزية.
هذا يفرض مجدداً سعياً دولياً لوقف الحرب الروسية – الأوكرانية التي لا تقف تأثيراتها عند حدود روسيا وأوكرانيا منذ اليوم الأول لاندلاعها. وعندما تتغذى نزاعات أفريقية اليوم من هذه الحرب، فإن ذلك يعني إمعاناً في توسيع هذه النزاعات.