يقف الكاتب الملتزم، والناقد أو المسرحي أو السينمائي، ومن في حكمهم، ممن لهم دور في تشكيل الوعي العام، خارج سياق الفقرة أعلاه، ويصبح من المهم أن يكون لهم وضع خاص، وخلفية خالية من الإجرام، وسيرة ذاتية معقولة، ولا بأس من محاولة معرفة شيء عنه، قبل الإيمان بما يكتب، سواء عن خلفيته السياسية أو انتمائه العقائدي أو غير ذلك. فلا تُستحسن مثلاً قراءة رأي أو نقد أو مقال أو تحقيق لكاتب، والتأثر به وتصديقه، دون معرفة حقيقة نواياه، أو إذا كان مدفوعاً من جهة ما، وفي هذه الحالة لا يستحق ثقتنا، لفقده المصداقية، أو لتناقض تصرفاته الشخصية مع ما ينادي به من «مُثل». وكلما كانت المجتمعات متخلفة زادت أعداد هؤلاء، لذا لدينا كم كبير منهم، علما بأننا، ولعوامل عدة سبق أن تطرقنا لها، من أكثر الشعوب التي تعاني من التناقض الحاد في تصرفاتها. وقد صدمت مرات عدة، أو خاب ظني في أشخاص عدة، عندما اعتقدت بمثاليتهم من خلال «إنتاجهم»، لكن بالاقتراب منهم أكثر عرفت حقيقتهم، أو هذا ما اعتقدته.
من أمثلة الرياء، الذي تتسم به مجتمعاتنا، الكم الغريب من الكتّاب والنقّاد ومدعي حمل ألوية الثقافة والمعرفة، وأصحاب «الدال»، الذين على استعداد لكيل المديح والإطراء لأي فعل يصدر عن طاغية أو دكتاتور، سواء كان عملاً أدبياً أو تصرفاً سياسياً، طالما كانت وراء ذلك المدح منفعة مادية. فقد لقيت مثلاً رواية «زبيبة والملك»، التي تنسب لصدام حسين، الكثير من التحليل والمدح، من أصحاب قامات أدبية عالية، علماً بأنها رواية سخيفة لا معنى لها.
كما انتشرت مؤخراً رسالة، تضمنت أسماء أدبية وثقافية شهيرة، سخّرت أقلامها لنقد وتحليل ومدح مجموعة قصص قصيرة بعنوان «القرية القرية الأرض الأرض، وانتحار رائد الفضاء»، التي تنسب للقذافي، حيث عقد ندوة تحت عنوان «القذافي مفكراً ومبدعاً»، شاركت فيها مجموعة من «المثقفين العرب» الانتهازيين وكتّاب السلاطين، ممن باعوا كراماتهم مقابل دولارات معدودة، مقابل المشاركة في تلك الندوة تحت عناوين مثل «المكان في قصص القذافي»، و«جدلية الزمان في قصص معمر»، و«البعد الإنساني والبحث عن المدينة الأخلاقية في النص»، و«الدلالة والمفارقة للمكان في الخطاب الأدبي للقائد المبدع معمر القذافي»، و«دلالات التشكيل المكاني في قصص القذافي»، و«الأبعاد النفسية للإبداع عند الكاتب معمر»، و«تقنيات السرد واللغة في قصص معمر القذافي»، و«السخرية في أدب معمر القذافي»، و«تجليات البراءة والدهشة في قصص معمر»، و«قصص كاشفة لرجل يماشيه التاريخ»! وغير ذلك من ترهات.
وباستعراض أسماء «الكبار»، الذين شاركوا في كتابة تلك «الدراسات» والرسائل النقدية، نشعر بالصدمة أولاً، بسبب الهالة التي يراها البعض فوق رؤوس هؤلاء، والوضع المعيشي البائس، الذي ربما يعيشونه، والأخطر من ذلك ما مثلته وتمثله تلك الكتابات المرائية من هوان للنفس، وعنوان لمرحلة طالت كثيراً، فقد فيها المثقف دوره الطليعي، بعد أن أجبرته الظروف المعيشية والأنظمة المستبدة على التنازل عن الكثير، طمعاً أو خوفاً، وهذا هو الفارق الأهم بين المجتمعات المتخلفة، ونقيضتها المتقدمة، خصوصاً عند مقارنة مواقف هؤلاء بمواقف إسرائيليين وقفوا ضد وطنهم، ومعهم يهود آخرون، ومع الحق الفلسطيني، بالرغم من كل المخاطر والخسائر التي لحقت بهم!
أحمد الصراف