: آخر تحديث

«الناتو» ومستقبله.. آخر معارك بايدن

22
16
25

تبدّت في قمة حلف شمال الأطلنطي «الناتو»، تحدّيات غير مسبوقة، ومصائر معلّقة بحرب أوكرانيا وغزة، ومستقبل الرئاسة الأمريكية.

بعد 75 عاماً على تأسيسه عقب الحرب العالمية الثانية في (1949) بذريعة مواجهة النفوذ السوفييتي في القارة الأوروبية يطرح سؤال المستقبل نفسه مجدداً.

موازين القوى وحسابات المصالح اختلفت. لم يعد العالم منقسماً، كما كان إثر الحرب العالمية الثانية، أيديولوجياً، واستراتيجياً، واقتصادياً، إلى معسكرين كبيرين، أحدهما بقيادة الاتحاد السوفييتي، والآخر بقيادة الولايات المتحدة.

الاتحاد السوفييتي انهار وتقوّض حلف «وارسو»، الذي أنشئ عام (1955) كردّ فعل استراتيجي على حلف «الناتو».

وجد الرئيس الأمريكي جو بايدن في انعقاد قمة «الناتو» في واشنطن، فرصة يحتاجها لتأكيد جدارته بقيادة الحلفاء الغربيين، والولايات المتحدة نفسها.

هو رجل مأزوم في خياراته الاستراتيجية على جبهتي أوكرانيا وغزة، لا حسَم الأولى، ولا أمكنه تجنّب عواقب حرب الإبادة في الثانية.

وهو رجل مأزوم في أوضاعه الانتخابية التي قد تخرجه من السباق الرئاسي بتداعيات الأداء الباهت في المناظرة الانتخابية الأولى التي جمعته مع خصمه اللدود، دونالد ترامب.

طرحت على نطاق واسع بين أنصاره ومؤيديه شكوك قوية في قدرته الإدراكية، وإذا ما كان قادراً على الوفاء بمهام ومتطلبات الرئاسة في السنوات الأربع المقبلة.

أهدرت الفرصة المستأنفة في قمة «الناتو» بأخطاء إدراكية جديدة، كأن يقدم الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي على أنه الرئيس الروسي بوتين.

تعالت دعوات لاستبداله بمرشح ديمقراطي آخر قبل أن تقع الواقعة، وتكون الخسارة فادحة، وموجعة في صناديق الاقتراع.

بدا لافتاً حرص عدد كبير من القادة الغربيين أثناء تواجدهم في واشنطن على مد الجسور مع مساعدي دونالد ترامب، ترقباً لأية تغييرات مرجّحة بالبيت الأبيض.

من زاوية أمريكية خالصة سادت أجواء قمة «الناتو» نظرتان متناقضتان.

الأولى، يتبنّاها جو بايدن، وترى أن الحلف ضرورة أمريكية، لتأكيد نفوذها في العالم، وأنه الآن أكثر توحداً وقوة عن أي فترة سابقة منذ تأسيسه، رغم اختلاف الأزمان والتحديات.

والثانية، يصرّح بها دونالد ترامب، بدعاوى التخفف من تكاليفه الباهظة على الموازنة الأمريكية، رافعاً شعار: «الدفع مقابل الأمن».

لم تكن هذه المرة الأولى التي يطرح فيها سؤال المستقبل على أجندة الحلف، فقد طرح بإلحاح عند انهيار سور برلين (1989): «ما جدواه وقد انهار الاتحاد السوفييتي وتفكك حلف وارسو؟».

لوقت قصير بدأ البحث عن «عدو جديد». وجرى التفكير في ما أطلق عليه «الإرهاب الإسلامي»، لكنه لم يوفر ذرائع مقنعة لوجود أكبر حلف عسكري في التاريخ الحديث. في الوقت نفسه، جرى رفض اقتراح روسي بالانضمام إليه.

وكان الثمن السياسي لإعادة توحيد الألمانيتين تعهداً أمريكياً بعدم نشر صواريخ حلف «الناتو» على الحدود الروسية المباشرة.

بدا الإخلال بذلك التعهد، من زاوية روسية، سبباً مباشراً في تفجّر الحرب الأوكرانية.

وسادت نزعة «شيطنة روسيا»، وجرت محاولات حثيثة لعزلها، وإذلالها.

فرضت عليها عقوبات اقتصادية وتجارية مشددة، وصلت إلى منع دراسة آدابها في الجامعات الإيطالية.

وأمام حمى الدعايات حذّر وزير الخارجية الأمريكي الراحل هنري كيسنجر، من مغبة محاولة إذلال موسكو.

لم يستمع إليه صناع القرار في البيت الأبيض، حتى داهمتهم التطورات بإخفاق العمل العسكري على الساحة الأوكرانية، وتمكن موسكو من اكتساب أراض جديدة.

وكانت تصريحات دونالد ترامب، في مناظرته مع جو بايدن، عن استعداده لإنهاء الحرب بالتوصل إلى تسوية مع فلاديمير بوتين من دون استجابة لشروطه، داعياً إضافياً لإضفاء أجواء وتساؤلات شبه معلنة بقمة «الناتو» عن مستقبل الحرب الأوكرانية، وتأثيرها في الأمن الأوروبي.

وفي ما يمكن وصفه بالهجوم المضاد من إدارة جو بايدن، تضمّن البيان الختامي تصعيداً حاداً ضد روسيا والصين، معاً.

الأولى بصفتها «أكبر تهديد مباشر».. والثانية بوصفها «متورطة في الحرب».

وبتدخل آخر من الإدارة الأمريكية نصّ البيان الختامي على «تقاسم الأدوار والأعباء».

كان ذلك رداً غير مباشر باسم الحلفاء الغربيين على الحجج التي يسوقها ترامب للتخفّف من أعباء «الناتو».

وكان ذلك من مقتضيات آخر معارك بايدن. ولم يكن مفاجئاً التوسع في إرسال سلاح متقدم إلى كييف شاملاً طائرات (أف 16)، والتعهد بدعم مالي جديد يبلغ 40 مليار يورو.

وكان ذلك من دواعي طمأنة أوكرانيا بامتلاك قدرة الردع أن بوسعها الصمود أمام القوة الروسية حتى إذا تغيّرت الرئاسة الأمريكية.

اللافت هنا أن مشروعات ضم أوكرانيا للحلف لم تتقدم خطوة واحدة، ولا منحت حق استخدام تلك الأسلحة والطائرات داخل الأراضي الروسية.

في قمة «الناتو» تراجعت أولوية الحرب على غزة بعد تسعة أشهر من اندلاعها، وتصدرت الحرب الأوكرانية، وحدها، المشهد كله. كان ذلك تعبيراً عما يجمع الغربيين، وابتعاداً عمّا قد يفرّقهم.

وبتعبير رئيس الوزراء الإسباني: «لا يصح للغرب الكيل بمكيالين في حربَي أوكرانيا وغزة».

لم تكن إدارة بايدن المهزوزة مستعدة أن تخوض معركة بالنيابة عن رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتانياهو، الذي يراوغها، ويحاول بقدر ما يستطيع أن يربح وقتاً إضافياً حتى صعود حليفه الموثوق دونالد ترامب.

ولا كان ممكناً بناء قاعدة توافق غربية تستجيب للمطالب الإسرائيلية في الدعم والإسناد.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.