تصاعدت مظاهر التوتر بين الكوريتين منذ زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بيونغ يانغ في وقت سابق من حزيران (يونيو) الجاري، وانتهت بالتوقيع على اتفاق دفاعي بين روسيا وكوريا الشمالية.
من إطلاق بالونات دعائية من الشطر الجنوبي في اتجاه الشمال، تقابلها بالونات مليئة بالقمامة من الشطر الشمالي في اتجاه الجنوب، إلى إلغاء سيول كل الاتفاقات الأمنية لخفض التصعيد مع بيونغ يانغ واستئناف بث الرسائل عبر مكبرات الصوت على طول خط الهدنة، وصولاً إلى إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع القوات الأميركية، شاركت فيها حاملة الطائرات "ثيودور روزفلت" وقوات يابانية أيضاً.
كانت تلك رسائل ردع جنوبية وأميركية على خلفية الاتفاق الدفاعي الذي وقّعه بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، والذي لم يُعرف ما إذا كانت موسكو ستزود بموجبه بيونغ يانغ بالأسلحة. لكن الأمر المؤكّد أن كيم يطمح إلى الحصول على مساعدات تقنية، تساعده في تطوير برنامجه الصاروخي والفضائي.
وربطاً بهذه التطورات، أعلنت كوريا الشمالية أنها أجرت الخميس بنجاح تجربة على صاروخ متعدد الرؤوس الحربية. لكن سيول أعلنت أن هذه التجربة فشلت.
وبصرف النظر عن مآل التجربة الصاروخية، فإن أهميتها تكمن في أنها تأتي بعد زيارة بوتين والاتفاق الدفاعي الذي أراده الكرملين رسالة إلى سيول وواشنطن معاً، رداً على تزويد كوريا الجنوبية أوكرانيا بالأسلحة والقذائف المدفعية، وعلى توقيع الرئيس الأميركي جو بايدن اتفاقاً أمنياً مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على هامش قمة مجموعة السبع في إيطاليا في 13 حزيران (يونيو) الجاري.
ما تجدر الإشارة إليه هو أن الوضع في شبه الجزيرة الكورية يعاني أصلاً من الهشاشة وأشبه ما يكون ببرميل بارود يمكن أن ينفجر عند تعرّضه لأدنى شرر.
وينعكس الاستقطاب الدولي المتزايد بين واشنطن وموسكو، ليس على الوضع في شبه الجزيرة الكورية فحسب، وإنما في مناطق أخرى من العالم.
ويصبّ في هذا الاتجاه إعلان ماريا زاخاروفا، الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، الأربعاء، أن موسكو تعمل على ما وصفتها بأنها "معاهدة كبيرة" مع إيران.
وسبق لوزارة الخارجية الروسية أن تحدثت في كانون الثاني (يناير) الماضي عن اتفاق جديد بين روسيا وإيران، يعكس "التحسن غير المسبوق" في العلاقات بين البلدين، وهو في المراحل النهائية لإبرامه.
وفي أفريقيا، توطد شركة "فاغنر" الأمنية الروسية التي باتت تحت السلطة الكاملة لوزارة الدفاع الروسية منذ مقتل مؤسسها يفغيني بريغوجين في حادث تحطم طائرة قبل نحو عام، نفوذها في دول الساحل جنوب الصحراء. وشكّل طرد النيجر القوات الأميركية في وقت سابق من هذا العام من أكبر قاعدة جوية للمسيّرات في منطقة أغاديس، ضربة قوية للمصالح الأميركية في القارة السمراء. ولم يكن ذاك التقدّم الروسي الوحيد في الساحل، بعد النمو المتسارع في علاقات الكرملين مع مالي وبوركينا فاسو، على حساب النفوذ الفرنسي التاريخي هناك.
وشبه الجزيرة الكورية هي الآن الجبهة المتقدّمة في المواجهة الجيوسياسية بين أميركا وروسيا. وهي جبهة ليست بعيدة من التوترات بين الصين والولايات المتحدة في المحيطين الهادئ والهندي، والتي يتقدّمها الصراع حول تايوان، بينما يدفع الاحتكاك المتكرّر بين البحريتين الصينية والفيليبينية إلى التساؤل عمّا إذا كان بحر الصين الجنوبي، بعد تايوان، سيكون بؤرة نزاع مسلح في المرحلة المقبلة.
إن "حرب البالونات" بين الكوريتين لن تعدو كونها تطوراً في مسار طويل من التصعيد الذي تغذيه الحرب الروسية - الأوكرانية. حرب تخوضها موسكو لكسر أحادية النظام العالمي، بينما تقف واشنطن بكل قوتها خلف كييف دفاعاً عن هذا النظام.
لذا، فإن أي حدث بين الكوريتين يتعيّن النظر إليه بقلق، لأنه قد يخفي خلفه أحداثاً أعظم.