عادت الكويت للانفتاح على العالم، وعلى الفن الرفيع، وعلى المتعة الراقية، ومخاطبة الجميل من الحواس، مع عودة العروض الفنية الجميلة، التي كان أولها قبل ثلاثة أيام على مسرح «عبدالحسين عبدالرضا»، الذي امتلأت مقاعده بجمهور متشوّق لمشاهدة الفنون العالمية والاستمتاع بها، والذي تمثّل في حفل فرقة الفلامنكو الأسبانية، برعاية السفارة الأسبانية والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
باكورة الانفتاح، بعد سنوات من الإغلاق والانغلاق، سيكون لها حتماً تأثير نفسي إيجابي واضح، بخلاف فوائدها الاجتماعية والاقتصادية، وستشجع السياحة الداخلية، فإقامة مثل هذه الحفلات ستدفع الكثيرين للبقاء في البلد، بدلاً من الطيران للخارج، عند أول فرصة وعطلة، بعيداً عن الغم والهم والتشدّد غير المبرر.
موسيقى ورقص الفلامنكو يدرج ضمن التراث العالمي، وهو من الفنون الشعبية الأندلسية الغجرية، التي تعبّر بطريقة مميزة عن مجموعة من المشاعر الإنسانية، من فراق وحب وشغف وفرح، وهذا أيضاً جزء من تراث أسبانيا الروحي والفني التاريخي، ويمكن تتبع الجذور الأصلية للفلامنكو لأماكن فريدة، مثل كهوف حي ساكرومونتي في مدينة غرناطة الجميلة، أو في أحياء إشبيلية أو قرطبة الخلابة، وكلها مواقع ذات تاريخ أندلسي، تشهد على التراث التاريخي المشترك بين أسبانيا والعالم العربي.
* * *
تتمتع أسبانيا بتراث ثقافي غني ومتنوع، وبجغرافيا فريدة، وإرث تاريخي مهم، يتمثّل في روائعها المعمارية، كقصر الحمراء في غرناطة، وكنيسة العائلة المقدسة في برشلونة، ومتحف برادو في مدريد، ومتحف غوغنهايم في مدينة بلباو، وغيرها الكثير. وأسبانيا هي موطن عمالقة العصر الحديث، من بابلو بيكاسو وسلفادور دالي إلى فرانسيسكو غويا والمئات غيرهم. وتشتهر بأطباقها الشهيرة، مثل الباييلا والسمك المسقوف، وبمزارع الكروم في منطقتي «ريوخا» و«ريبيرا ديل دويرو».
كما تُقام فيها مهرجانات عالمية مفعمة بالحياة، مثل احتفالات «لا توماتينا» في بونيول، وسباق الثيران في بامبلونا، واحتفالات سيمانا سانتا. كما أن بها العديد من المواقع التاريخية، مثل القناة الرومانية، ومدينتي توليدو (طليطلة)، التي تعود للقرون الوسطى، و«روندا».
ومن أسبانيا جاء المكتشفون أمثال كريستوفر كولومبوس وهيرنان كورتيس، وآخرون.
اللغة الأسبانية، التي يتكلمها أكثر من 550 مليون نسمة، هي اللغة الشائعة في أسبانيا، ولكن هناك لغات وطنية أخرى، كالكتالونية والباسكية، وغيرهما.
كما أن أسبانيا هي اليوم عاصمة لعبة كرة القدم، فقد جاء أشهر لاعبي العالم من نواديها الشهيرة. كما جاء منها أفضل أبطال الغولف والتنس، مثل رافائيل نادال.
ولا ننس في هذه العجالة أن نذكر مساهمات أسبانيا في الأدب والفلسفة والعلوم، التي لا عد لها، ويروق لي شخصياً أسلوب الحياة الأندلسي، لهذا اخترتها لتقاعدي، الذي قد لا يأتي أبداً، فهي تشجع على الاسترخاء تجاه الوقت، والاستمتاع بوجبات الغداء الطويلة، والتي تتبعها عادة قيلولة معتبرة، هذا إضافة إلى حبهم للتواصل الاجتماعي إلى وقت متأخر من الليل، مع التركيز القوي على الأسرة والمجتمع.
* * *
ستنتهي قريباً فترة خدمة السفير الأسباني المميز ميغيل مورو أغيلار، حيث قضى بيننا قرابة أربع سنوات، أحدث فيها نقلة سياسية واجتماعية وفنية واضحة في العلاقات بين البلدين، وكان بالفعل أفضل سفير لأجمل بلد، ونتمنى له التوفيق في مهامه الدبلوماسية المقبلة.
* * *
من الغريب ملاحظة غياب تقليد تكريم السفراء، وممثلي الهيئات الدولية في الكويت، وهذا حرم الكثير من المستحقين الحقيقيين من هذا التكريم. كما حرم سفراء الكويت المميزين من نيل أوسمة التكريم، لأن أغلبية الدول تشترط المعاملة بالمثل، قبل أن تمنح أي سفير كويتي وساماً رفيعاً.
نتمنى قيام وزير الخارجية الأستاذ «اليحيا» بدراسة تطبيق هذا التقليد الجميل، لدينا.