تتميز السياسة الخارجية للإمارات العربية المتحدة بالدراية والانفتاح على الفواعل الإقليمية والدولية، سيما أن موقع الإمارات يشكل ملتقى تجتمع فيه حضارات وثقافات متعددة، بنيت منذ نشأة الدولة، رغم تحديات المنطقة وما مر بها من ظروف غاية في الحساسية.
والإمارات التي برزت في عز الحرب الباردة بداية سبعينات القرن الماضي، تخطت الكثير من ظروف التوتر الدولي آنذاك، وبنت علاقات خارجية متوازنة بين الشرق والغرب، واستمرت بخطى ثابتة نحو تموضع لافت في النظام العالمي الجديد، وحققت نجاحات لافتة، وبدت مركزاً إقليمياً بأبعاد ومديات دولية، ظل محط أنظار الكثير من الدول لبناء شراكات استراتيجية نوعية.
وترسيخاً لهذه السياسات، شكلت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، التوجّه الإماراتي شرقاً نحو منطقة آسيا – الهادي وبالتحديد نحو كل من كوريا الجنوبية والصين الشعبية، له دلالة قوية كتأكيد على جدية التزام الإمارات باستراتيجية التوازن في العلاقات الدبلوماسية، وترسيخاً لمسار ناهز الأربعة عقود ونيّف، وهي فترة كافية لتؤكد عمق العلاقة التي نشأت وتطورت وتوسعت وفقاً لقواعد شراكة استراتيجية، شملت مجالات حيوية كثيرة.
وتعود العلاقات الثنائية بين الدولتين إلى زيارة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، إلى بكين في مايو / أيار 1990 والتي تعتبر الأولى من نوعها التي يقوم بها رئيس دولة خليجية إلى الصين، والتي أتت بعد زيارة الرئيس الصيني الراحل يانغ شانغ كون إلى الإمارات العربية المتحدة في ديسمبر / كانون الأول 1989.
وفي الواقع، أسهمت الزيارات الرسمية بين قادة البلدين إلى تطوير وترسيخ العلاقات الثنائية، ومنها زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الإمارات في العام 2018، فيما أسست الزيارة التي قام بها صاحب السمو رئيس الدولة إلى جمهورية الصين الشعبية في يوليو/ تموز 2019 لمرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين..
ويعود التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلى الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 1984، حيث افتتحت الصين سفارتها في الإمارات في إبريل / نيسان 1985، فيما تم افتتاح سفارة الإمارات في بكين بتاريخ 19 مارس/ آذار 1987، ولتوطيد العلاقات تم افتتاح العديد من القنصليات الإماراتية في كل من هونغ كونغ في إبريل/ نيسان 2000، وشنغهاي في يوليو/ تموز 2009، وكوانغ جو في يونيو/ حزيران 2016، فيما تم افتتاح القنصلية الصينية في دبي في نوفمبر/ تشرين الثاني 1988. ونتيجة لهذا التوسع في العلاقات تم التوصل إلى توقيع 148 اتفاقية وتبادل مذكرات تفاهم في مختلف المجالات الحيوية، وبخاصة المجالات التجارية والاقتصادية، وريادة الأعمال والسياحة والسفر.
وقد وصل حجم التجارة الخارجية الإماراتية الصينية غير النفطية، خلال العام 2023 إلى 296 مليار درهم، أي ما يوازي 81 مليار دولار وبنسبة نمو 4.2 % مقارنة بالعام 2022، وبالتالي تمكنت الصين من الحفاظ على موقع الشريك التجاري الأول للإمارات في العام 2023، حيث استحوذت على ما نسبته 12 % من تلك التجارة. وتتصدر الصين المرتبة الأولى لجهة واردات الإمارات بنسبة 18%، كما تأتي الصين في المرتبة الحادية عشرة لجهة الصادرات الإماراتية غير النفطية بنسبة 2.4 %، والمرتبة الثامنة في إعادة التصدير بنسبة 4 %، وفي حال استثناء النفط الخام من تجارة الصين مع الدول العربية خلال 2023 تكون الإمارات الشريك التجاري العربي الأول بنسبة 30 %. كما بلغ إجمالي الاستثمارات الإماراتية في الصين حوالي 11.9 مليار دولار بين العامين 2022 و2023، في حين بلغت الاستثمارات الصينية في الإمارات 7.7 مليار دولار خلال الفترة نفسها. وفي واقع الأمر، تعتبر الإمكانات التنموية الإماراتية إضافة إلى الموقع الاستراتيجي ودوره الاقتصادي المتميز في الإقليم، عضواً فعالاً في مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ في العام 2013، بخاصة أن المبادرة ركزت على الدور المركزي للإمارات في التجارة الدولية.
وفي السياق نفسه، تعتبر زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، إلى كوريا الجنوبية التي سبقت زيارة الصين الأخيرة، تكريساً لعلاقات اقتصادية وتجارية متميزة، حيث بلغت الصادرات الإماراتية إلى كوريا الجنوبية ما يصل إلى 5.693 مليار دولار في العام 2022 وهي بمعظمها صادرات نفطية وصلت إلى حدود 90%، في المقابل، وصل حجم الصادرات الكورية الجنوبية للإمارات إلى نحو 3.694 مليار دولار في الفترة عينها.
بالمحصلة شكلت الزيارتان إلى كل من كوريا الجنوبية وجمهورية الصين الشعبية، بمثابة التأكيد على ترسيخ عرى الصداقة والتعاون في منطقة تعج فيها النزاعات ذات التوتر العالي، وتأتي لتأكيد موقع ودور الإمارات المحوري في الإقليم، كما تعتبران بمثابة خريطة طريق لمستقبل واعد وفعال تسعى إليه الإمارات العربية المتحدة وفق رؤى وخطط استراتيجية، تشمل مجالات الاقتصاد والتجارة والتطوير التكنولوجي، وخاصة أن الإمارات انطلقت في مجالات ريادية ذات مستويات عالمية، عادة ما تؤسس لمستويات إقليمية عظمى.