عصر السبت، كنت في منطقة "البوليفارد" وسط الرياض، ولفت نظري التواجد الأوروبي الكبير في كافيهات ومطاعم وفعاليات المنطقة الترفيهية الأشهر على مستوى الشرق الأوسط، كانوا بالمئات يتجولون في الممرات ويقطعون الشوارع الجانبية بانتظار نزال الملاكمة العالمي الذي كنت أحسبه موجهًا للمواطنين والمقيمين في العاصمة، وإذا به تظاهرة عالمية نجحت في جذب الجماهير من شتى بقاع العالم.
أخطأت عندما حجزت التذاكر ولم أنتبه للسن المسموح به، فقضيت بعض الوقت مع الأبناء خارجًا في الفعاليات المحيطة بإستاد المملكة الذي يستضيف النزال، وشاهدت الأفواج والأشكال والألوان وهي تتقاطر على المناسبة وكنت سعيدًا لدرجة شعرت بهم ضيوفًا وليسوا سياحًا وجماهير.
إذا لم يكن هذا هو النجاح، فما هو النجاح الذي نبذل ونعمل لأجله؟ من يصدق أننا إلى قبل بضع سنوات كنا خارج هذا كله، بل وكان من المجازفة مجرد الحديث عن استضافة مناسبات عالمية فما بالكم بالمطالبة بها، حيث نذكر ما واجهه منظمو ومؤيدو حضور مارادونا، اللاعب العالمي الأرجنتيني، إلى المملكة، ونضحك اليوم على تلك الأيام وكيف كنا بسطاء مختطفين ومغيبين.
لقد كانت مرحلة بائسة انتهت ولله الحمد برؤية عظيمة طمرت كل الأوهام وأرست قواعد هوية جديدة تمثل بحق الجذور الراسخة والرؤوس اليانعة والمتفتحة على كل الاتجاهات، حتى باتت الصحراء المنغلقة والمغلقة مصدر مبادرات وأفكار عالمية، ووجهة لكل المفكرين والحالمين بمستقبل مختلف للبشرية.
تطفلت على عدد من الأوروبيين وتبادلت بعض الأحاديث معهم، لم يكن أيٌ منهم مشغولًا بما اعتقد أو يعتقد أو أشك أو يشك، الجميع جاء لحضور مناسبة وقضاء أيام في منطقة جديدة يريد اكتشافها، هكذا بكل بساطة بعيدًا عن الظنون والتعقيد والعقد، ونحن نذكر كيف كنا نغلق النوافذ خشية الغزو الثقافي والفكري حتى جاءنا الغزو الانتحاري واختطف بعض شبابنا المنغلق المحروم من بديهية احتمال وجود آخر له حق الاختلاف.
هذا ليس خروجًا عن الموضوع، "النزال" بل في صلب الحدث حيث نؤمن بأن النجاح العالمي الذي حققه النزال وغيره من المناسبات العالمية مؤخرًا، لم يكن ليحدث لو لم نتجاوز تلك المرحلة البائسة، وتجاوزها لم يكن ليتم لولا قوة الرأي والعزم والعزيمة على القضاء على منابعها ومستنقعاتها حتى باتت أثرًا بعد عين، ونحن الذين كنا نعتقد أن القضاء عليهم مستحيل فإذا بنا نراهم أنفسهم يشاركون الناس أفراحهم ومناسباتهم كما لو أنهم لم يكونوا يومًا دعاة على أبواب تلك الحقبة، ورموزًا لها.
بالطبع، تغمرني السعادة وأنا أرى بلادي / الصحراء التي كان يظن البعض أنها قاحلة من الأفكار والحراك والمبادرات، وهي تروي ظمأ العالم بفعاليات تجسر الفجوات وتمزج الثقافات، وتتعانق فيها الأذواق والأفكار في فضاء يعج بالحياة والسلام.. انتهى النزال وفازت هيئة الترفيه بالرهان للمرة الألف.