وقفنا ذات مرّة أمام قول الكاتب الألماني ألكسندر فرويند: «اللغة قد تندثر وتموت»، وتأكيده، بالمقابل، أن «البقاء لمن يكتب»، والقصد أن اللغات التي لم تُدّون تلاشت واندثرت، حتى لو كانت متداولة لعدة قرون، وما بقي منها متوارثاً عبر النقل الشفاهي، هو الآخر، عرضة للمصير نفسه، إن لم يكن اليوم، فغداً أو بعد غد.
يعيدنا إلى الحديث عن «موت اللغات» مقال للكاتبة إيمان أسعد، منشور على موقع «ثمانية»، يتناول الموضوع نفسه، أوحت لها به ندوة أقامها «منتدى اللغة» في رابطة الأدباء الكويتيين بعنوان «لغات على شفا الاندثار»، ألقاها الدكتور يوسف البدر، لنعرف عن عوامل أخرى غير تلك التي نوردها عن مخاطر اندثار أي لغة، خاصة في غياب الخطط التعليمية الاستراتيجية للحفاظ على اللغات القومية، وسط هذا الاندفاع نحو تعليم التلاميذ المواد المختلفة بلغات أخرى، وفي مقدمتها الإنجليزية. والاعتراض هنا ليس على تدريس التلاميذ لغات أجنبية، فهذا أمر مطلوب ومحمود في عالم يزداد ترابطاً وتشابكاً، ولكن على أن تجري المبالغة في الأمر حدّ تغييب اللغة القومية، أو على الأقل تهميشها، وهو أمر نلحظه في بلداننا.
عودة إلى العوامل الأخرى غير المتوقعة لاندثار اللغات، التي أوردتها إيمان أسعد في مقالها، فاللغة مثل البشر والكائنات الحيّة الأخرى عرضة للموت بفعل الأوبئة، وهذا ما «حصل مع لغات عديدة للسكان الأصليين في أمريكا بفعل أوبئة الجدري والإنفلونزا التي وصلت إليهم مع الغزاة الأوربيين»، فالموت الجماعي لهؤلاء السكان كان أحد أسباب اندثار لغتهم، أو لغاتهم، خاصة وأنها، على الأرجح، لم تكن مدونة وإنما شفاهية، ذلك أن التدوين على الورق هو الذي حفظ اللغات وعممها على نطاقات أوسع، ونعلم أن الكتابات المدّونة على الحجر والطين صمدت آلاف السنين، ولكن لم يُقدّر لها الانتشار الذي تحقق عبر التدوين على الورق.
اندثار اللغات بسبب الأوبئة وكوارث الطبيعة لم يحدث في التاريخ، بعيده وقريبه، فقط، وإنما يحدث في عصرنا أيضاً، حيث تنقل لنا الكاتبة أنه «حين وقع تسونامي في إندونيسيا فإن أربع لغات ماتت فجأة لأن تسونامي جرف كل من يتحدثها في يومٍ واحد». وتصدمنا المعلومة القائلة إنه يوجد في العالم اليوم 7164 لغة حيّة، لكن هناك معدّلاً مخيفاً لوفاة اللغات، ففي كل أسبوعين، حسب الكاتبة أيضاً، نفقد أربع لغات، ما يعني أن عدد لغات العالم سيتقلص في عام 2100 إلى نحو ألفي لغة فقط، ما يعني أنه «في أقل من 80 سنة فإن خمسة آلاف لغة ستموت»، وكما «البيوت تموت إذا غاب سكّانها»، تموت اللغات إذا مات المتحدثون بها.