: آخر تحديث

مؤهلات صدقيّة الإبداع

8
8
10

هل انصرف ذهنك إلى أن الحديث أمس عن «نسبيّة الصدقيّة في الآداب والفنون»، إنما كان قفزةً استعراضيّة في الهواء أو مَلءَ فراغ تحريري؟ المرمى البعيد كان أن مناهج الآداب والفنون يجب أن تكون فرزدقيّة في النحت من الصخر. بعبارة أخرى، ألا يكون المقرّر تابعاً للتيّارات، عينُه على طريق آخر صيحة. مثلاً: عند ظهور شعر التفعيلة، نلقي بكل ما قيل على أوزان الشعر العمودي، في سلّة المهملات. جاءت قصيدة النثر بالحداثة وما بعد الحداثة، فنهبّ لننسف كل قصائد التفعيلة. اليوم كسدت بضاعة الشعر المنثور والنثر المشعور، القصيدة المضادّة وباقي التسميات والتسميمات، فنعود خاسئين ونحن حسيرون، إلى دفاترنا القديمة باحثين في زواياها عن خربشات عمودية أو تفعيلية، أهملناها، شبيهة بتلك الجمل الموسيقية التي يدوّنها المؤلفون الموسيقيون، ولكن لم يصادفها الحظ لتطوي مراحل التأليف وتغدو أعمالاً متكاملة، يسمونها «باغاتيل». الفنانون التشكيليون بدورهم لديهم اسكتشات بقلم الرصاص أو بغيره.

على المناهج ألا تلهث خلف الموضات. ما يوضع نصب العين هو صرامة مقاييس التأسيس والبناء. ويل لإعلاء البنيان على أسس واهية. يحلو للقلم تطبيق منطق الكاريكاتور لإدراك قوّة الاستدلال على طريقة سيف الإسكندر، وفي هذا القولُ الفصلُ للأوساط الثقافية التي لا تزال واهمةً أن الإبداع لا يحتاج إلى منظومة قيم وقواعد بُنيويّة.

الكاريكاتور الأوّل: ضع في كفّة هوميروس، المعرّي، جلال الدين الرومي، دانتي، دوستويفسكي... وفي الكفة الأخرى، لفيفاً من الداديين والسورياليين ومسرح اللامعقول وقصيدة النثر. كيف ترى الصورة؟ قل أنت؟ في المشهد الكاريكاتوري الآخر: تخيّل أنه لا وجود لأيّ أدب كلاسيكي، وأن تاريخ الأدب العالمي نبت كالفطر في مطلع القرن الماضي في أوروبا، وأن على المناهج أن تُدرّس الحداثوية منذ الابتدائية والإعدادية إلى الجامعة. لا، لن أقول أنا، فقل. تخيّل ذلك في الرسم، لا شيء غير التجريدية. في الموسيقى: تصوّر معاهد الموسيقى تُدرّس طوال اليوم، على مرّ السنين، موسيقى المونتاج: صرير باب، مطارق حدّادين، صينيّة ألومنيوم تحتكّ بسطح طبقة خفيفة من الرمل، نباح كلب، صوت منشار...

ثمّة حدود فكرية، ثقافية، تربوية، تفصل بنقطة نظامٍ حريّةَ التجارب الفنّية والإبداعية، عن منظومة المؤهلات الفنية والإبداعية، التي يغدو بها العمل ذا مواصفات أكاديمية. ما كل من ركل كرةً صار أهلاً لعضوية منتخبات كأس العالم.

لزوم ما يلزم: النتيجة المتنبّوية: «إن السلاح جميعُ الناس تحملهُ.. وليس كلُّ ذواتِ المخلبِ السّبُعُ».

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد