كمدخل للحديث، وكأمر مبدئي يمكن القول إن التجمعات البشرية الطبيعية الصحية هي تلك التي تكون في توازن مع بيئتها، في حين أن النظم الاقتصادية للدول تقوم على عدم التوازن فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي السريع، فبعض القطاعات، خاصة الصناعية تنمو بطرق متفاوتة ما بين صناعة وأخرى. وكنتيجة أصبح البشر قلقين، وبات عليهم التكيف مع جميع أنواع التغير البيئي الحاصلة نتيجة للنمو الاقتصادي السريع. إن من الصعب تجنب النتيجة بأن الاستمرار في الأنماط القائمة من التنمية الاقتصادية سيقود البشرية باتجاه عدم استقرار بيئي أكبر، وعاجلاً أم آجلاً إلى فترة من الفوضى البيئية متبوعة بالبحث عن توازن بيئي.
البديل الذي يجب أن يتم السعي إليه هو خلق توازن في البيئة، وفقاً لموازين متعارف عليها بين جميع دول العالم ومجتمعاته، خاصة على صعيد الإنتاج الاقتصادي. وهنا، فإن الذي ينادي به المدافعون عن البيئة أن تسعى البشرية نحو تأسيس ميزان ثابت لنفسها مع البيئة، وأن تحقق التنمية والتقدم، وفقاً لمعايير منضبطة، وأن لا يترك الحبل على الغارب بما يتعلق بعدم المحافظة على البيئة، وأن تستبدل الفكرة المثالية التي هي جزء من حلم تحقق النمو الاقتصادي بأي ثمن بفكرة مثالية جديدة قوامها التوازن والموازنة. وبالتأكيد أن الطرح القائل بالموازنة بين تحقيق التنمية الاقتصادية والمحافظة على البيئة لا يلقى قبولاً سهلاً أو ترحيباً من قبل من لهم مصلحة في النمو الاقتصادي السريع على حساب المحافظة على البيئة وتوازنها. والحقيقة أن النمو الاقتصادي كهدف وطني لديه قبول من قبل البشر في كل مكان وفيه منطق يتفوق على ما عداه من أهداف أخرى، بما في ذلك المحافظة على البيئة.
وبرغم من أن العديد من البشر يشعرون بأنهم يعانون تلوث البيئة وتدهورها إلا أن هذه المعاناة تعتبر ضئيلة، مقارنة بعدم التيقن الآتي من تدني التنمية الاقتصادية والكساد، وما قد يتسبب فيه ذلك من بطالة.
إن المناداة بتحويل النظم الاقتصادية إلى نظم عقلانية من الناحية البيئية ربما يعتبر في بعض الأحيان، أمراً ثانوياً عندما يشعر البشر بأنهم مهددون بالبطالة. وبهذا الشكل يصبح المطلوب من قبل المواطنين الموازنة الدقيقة بين التنمية الاقتصادية والمحافظة على البيئة بحيث لا يغلب أي منهما الآخر، ويأملون في أن تكون المصالح الذاتية لشتى الأطراف مستنيرة، وبأن تصبح الاستخدامات التكنولوجية المتطورة قادرة على تحقيق مصالح شتى الأطراف بعقلانية وإنصاف. لذلك فإن جزءاً من الإجابة عن التساؤلات المطروحة يكمن في عدم إعاقة التنمية الاقتصادية، ولكن في توجيهها الوجهة الصحيحة. إن على البشرية الاستدارة نحو إنهاء انبعاث الغازات من الآلات التي اخترعتها على سبيل المثال، لكن ليس عن طريق تحطيمها مرة واحدة وإلى الأبد، بل عن طريق تطويرها، وجعلها أكثر كفاءة وصداقة للبيئة.
هكذا هي اهتمامات المدافعين عن البيئة والباحثين في شؤونها، وشؤون التنمية الاقتصادية، فالكل يدلي بدلوه وفقاً لمصالحه ورؤاه حول الأنماط التي تخصه في المجتمع وحول دلالاتها البيئية والمساعي الهادفة إلى حل تداعياتها السلبية على الدولة والمجتمع، وحول أهمية الاقتصاد للمجتمعات ونوع التكنولوجيا الواجب استخدامها.
لكن جدير بالملاحظة أن السياسيين والاقتصاديين والمدافعين عن البيئة نادراً ما يتحدثون مع بعضهم بعضاً في إطار البحث عن حلول لمشاكل البيئة الأساسية، فالبيئيون بالذات عادة ما يكونون مترددين في مواجهة الاقتصاديين، في حين أن السياسيين يريدون الاستفادة من كلا الطرفين في تعزيز مواقفهم أمام العامة، للتأكيد على أنهم يبذلون قصارى جهودهم لتحقيق كلا الأمرين: تحقيق التنمية الاقتصادية المتسارعة والمحافظة على البيئة وحمايتها، لكن في تقديرنا أن هذا التفرد في المواقف، كل بعيد عن الآخر من قبل الأطراف كافة هو أمر عقيم ربما يعود إلى عدم استيعاب تعريف ماهية المحافظة على البيئة بشكل جيد ومتكامل. فإذا كان هذا الأمر صحيحاً، فإن المسألة تحتاج إلى وقفة من قبل الجميع للعمل على فهم موضوع سلامة البيئة والمحافظة عليها من جذوره، ووضع تعريف محدد ودقيق للبيئة ذاتها يتفق عليه الجميع.