انتهت قضية انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي «على خير». إذ وافق البرلمان التركي يوم 24 كانون الثاني/ يناير الماضي على قانون انضمام السويد إلى الحلف بغالبية أصوات المقترعين، ليوقّعه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وينشره فوراً في الجريدة الرسمية ويرسله إلى مقر الحلف في بروكسل.
انتهت «موقعة السويد»، إذا جاز التعبير، لكن ليس بين تركيا والسويد بل بين أنقرة وواشنطن. فالجميع كان يعلم أن تركيا، ومنذ بداية رغبة السويد وفنلندا في الانضمام إلى الحلف، قبل أقل من سنتين وبعد بدء الأزمة في أوكرانيا، كانت تريد أن تستخدم هذه المسألة ورقة في مصالحها المتعددة البُعد.
كان مرور فنلندا وموافقة البرلمان التركي على انضمامها في آذار/ مارس من العام الماضي بمثابة رسالة «حسن نية» تركية سريعة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. كانت تركيا تريد «ثمناً» للموافقة خصوصاً أن المستهدف الأساسي من توسيع حلف شمال الأطلسي هو «صديق» تركيا وشريكها منذ العام 2016 أي روسيا الاتحادية.
تعرف تركيا أن روسيا باتت دولة مهمة للأمن القومي التركي، خصوصاً أنها تحاذيها جغرافياً وبينهما «صفقات» إقليمية ودولية كبيرة في رأسها التدخل التركي في سوريا بضوء أخضر روسي. كذلك فإن روسيا كانت الباب المفتوح أمام تنويع أنقرة مصادر السلاح عندما أغلق الغرب كل منافذه أمام بيع تركيا السلاح ولا سيما بعد العام 2016، أي بعد المحاولة التي اتهمت تركيا الغرب ولا سيما الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونائبه حينها جو بايدن بالوقوف وراءها. وانفتحت العلاقات الثنائية بين أنقرة وموسكو أمام علاقات تجارية قوية بينهما واستثمارات متبادلة.
لذلك فإن موافقة تركيا على انضمام فنلندا ومن بعدها السويد كانت دونها حسابات استراتيجية معقدة. فتوسيع الأطلسي بضم السويد وفنلندا تعني بالنسبة لروسيا «قطع نفسها» عبر «زلعوم» بحر البلطيق. حيث تطبق السويد وفنلندا على ضفتي البلطيق، ويمكن بالتالي أن تقطعا بوابة روسيا الوحيدة إلى بحر الشمال فالمحيط الأطلسي.
كذلك فإن فنلندا تحديداً تمتد على حدود برية طويلة جداً مع روسيا. وهذا يعني بوضوح أن انضمام البلدين إلى الحلف يشكل مكسباً تاريخياً له ضد روسيا التي سيضيق مجال المناورة أمامها ويجعلها تواجه صعوبات أكثر في الدفاع عن نفسها.
رسالة انضمام فنلندا «السهلة» إلى الحلف ربما لم تصل بالشكل المناسب إلى الغرب، وبالتالي بقيت تركيا من دون رد إيجابي من الولايات المتحدة تحديداً على تلك الرسالة.
كانت تركيا تعرف أنها في خضم الصراع المصيري بين الغرب وروسيا لا يمكن أن تقف بوجه الإصرار الغربي حتى النهاية. لذلك كانت مهمة تركيا معقدة بعض الشيء وهي كيف يمكن لها أن تضغط على أمريكا قبل انضمام السويد على الأقل.
أما مطالب تركيا فقد انخفضت إلى الحد الأدنى وهو موافقة الإدارة الأمريكية على بيع تركيا طائرات «إف 16 بلوك» المتطورة وترميم طائرات «إف 16» من الطراز القديم. وجاء الكباش بين الطرفين حول من يبادر إلى الخطوة الأولى. وربما تكون تركيا نجحت على الأقل في الحصول من واشنطن على ضمانات لبيع هذه الطائرات مقابل أن تقوم هي بالخطوة الأولى أي موافقة البرلمان التركي أولاً على انضمام السويد. وهذا الذي حصل فعلاً. إذ بعد موافقة البرلمان التركي بادرت الخارجية الأمريكية إلى إرسال رسالة إلى الكونغرس تطلب منه الموافقة على بيع وترميم «إف 16» إلى تركيا وهو ما واجهه ممثلو الحزبين الرئيسيين في الكونغرس بالترحيب بالخطوة التركية والاستعداد للموافقة على بيع الطائرات.
انتهت مرحلة انضمام السويد وفتح الباب أمام حصول تركيا على طائرات «إف 16» وهو ما تعتبره مكسباً كبيراً لأنه يعزز الدفاعات الجوية التركية وأمنها القومي.
ولا شك أن هذه الصفقة المتبادلة سوف تدخل العلاقات التركية – الأمريكية في مرحلة جديدة إيجابية من شكوك أقل وثقة أكبر. غير أن التطورات الهائلة والمتتالية التي تعصف بالمنطقة ومناطق الصراع الغربي - الروسي ستضع المرحلة الجديدة من العلاقات بين أنقرة وواشنطن على المحك في أول اختبار مقبل تواجهه. وستنتقل المساومة من قبول صفقة بيع طائرات«إف 16» المتطورة وترميم أخرى قديمة من الطراز نفسه إلى ما يمكن أن يكون «شروطاً» أمريكية على استخدام تركيا لهذه الطائرات. فعلى الرغم من النفي التركي، فإن واشنطن قد تكون اشترطت عدم استخدام هذه الطائرات في مهام حربية ضد اليونان وربما ضد قبرص الجنوبية. خصوصاً في ظل العمل الأمريكي المتنامي لتعزيز الوجود العسكري الأمريكي في اليونان في ما تعتبره تركيا تهديداً يونانياً، والعمل على استبدال تركيا باليونان كمركز أساسي للتحركات الأمريكية في المحيط الإقليمي لتركيا.
كذلك تثير الموافقة الأمريكية على بيع طائرات إلى تركيا مخاوف كردية من أن تعزز هذه الطائرات القوة النارية لسلاح الجو التركي في مطاردة مقاتلي حزب العمال الكردستاني في أماكن تحركهم في العراق وسوريا، كما في استهداف البنية التحتية الواقعة في «المناطق الكردية» في البلدين. وهذا قد لا يريح الولايات المتحدة التي تدعم المسلحين الأكراد ولا سيما في سوريا حيث تتهمها أنقرة رسمياً وعبر إعلام «حزب العدالة والتنمية» بأنها تقف وراء محاولات إقامة كيان كردي يهدد تركيا في شمال سوريا.
ويمكن القول إن صفحة انطوت من العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة تتعلق بانضمام السويد مقابل بيع طائرات «إف 16» لتبدأ مرحلة أخرى من العلاقات في مرحلة معقدة في ظل استمرار التوترات في المنطقة والعالم من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط.