في مساء يوم الخامس عشر من يناير، فاز دونالد ترامب بسهولة في المؤتمرات الحزبية بولاية آيوا، التي تشكّل أولى محطات موسم الانتخابات التمهيدية التي ستحدد الشخص الذي سيقود الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل. وقد حصل ترامب على أكثر بقليل من 50 في المئة من الأصوات، في حين حلّ رون ديسانتيس ونيكي هيلي في المركزين الثاني والثالث، إذ حصل كل منهما على ما يناهز 20 في المئة من الأصوات. ولم تشكّل هذه النتائج مفاجأة للمراقبين على الرغم من أن نسبة المشاركة كانت أقل بكثير من المعدل الطبيعي بالنظر إلى الظروف الجوية القاسية في ولاية آيوا.
ولا تعد آيوا ولاية نموذجية، إذ يبلغ عدد سكانها أكثر بقليل من 3 ملايين نسمة، 90 في المئة منهم من البيض. وهي ولاية محافظة، وقد صوّتت في الاستحقاقين الانتخابيين الرئاسيين الماضيين بفارق 10 في المئة لصالح دونالد ترامب. لكن، ولأنها أول ولاية تصوّت، فإن نتائج انتخاباتها لها آثار وطنية. وكان كل من ديسانتيس وهيلي قد خاضا في الولاية حملةً انتخابية دامت أشهراً على أمل تقليص هامش فوز ترامب بما يكفي لتعزيز آمالهما في الانتخابات التمهيدية القليلة القادمة التي ستجري في شهري يناير وفبراير. وقد تقاسما الأصوات المناوئة لترامب، لكنهما أظهرَا بالفعل أن قرابةَ نصف الناخبين الجمهوريين يفضلون بديلاً لترامب.
وفي الأسبوع المقبل، ستجري الانتخابات في ولاية نيو هامبشر، يوم الثالث والعشرين من يناير الجاري. رون ديسانتيس لم يخصص موارد كبيرة لهذه الحملة، خلافاً لنيكي هالي. وإذا كانت نتائج استطلاعات الرأي صحيحة، فإن لدى هيلي فرصة للحاق بترامب وربما التغلب عليه، وهو ما من شأنه أن يمدّها بما يكفي من الزخم للانتقال في وضع جيد إلى ولايتها كارولاينا الجنوبية التي ستصوّت في الثالث والعشرين من فبراير. غير أنه إذا لم تتمكن هيلي من استغلال هذا الزخم لتحسين وضع حملتها المالي وتنظيمها أكثر، فإن فرصها في تحدي ترامب في الولايات الكبيرة، مثل كاليفورنيا وتكساس وفلوريدا، ستتضاءل على الأرجح.
الاعتقاد السائد هو أنه ما لم تقع أي أحداث دراماتيكية، مثل مشكلة صحية لترامب، فإن انتخابات نوفمبر ستكون عبارة عن إعادة للمواجهة الانتخابية بين بايدن وترامب. وهذه ليس ما تريده غالبية الأميركيين، لا سيما في ضوء المشاكل التي تواجهها البلاد داخلياً وخارجياً.
ويتعامل الرئيس بايدن يتعامل مع ثلاث أزمات دولية في الشرق الأوسط وأوكرانيا وشرق آسيا. والتحدي المباشر الذي يواجهه يتمثل في تقديم مساعدات إضافية لكل من أوكرانيا وإسرائيل، مع السعي في الوقت نفسه إلى تفادي توسع نطاق الحرب في غزة، والتي صحبتها أعمالٌ عسكرية في لبنان واليمن والعراق وسوريا. كما يواجه مشاكلَ داخلية، وخاصة الهجرة غير الشرعية التي تكاد تخرج عن السيطرة. ذلك أن الجمهوريين، الذين يهيمنون على مجلس النواب، لن يؤيدوا تقديم مزيد من المساعدات لأوكرانيا ما لم تكن مقرونةً بسياسات جديدة أكثر صرامة وتشدداً في ما يتعلق بالهجرة، لا سيما أن المشكلة امتدت من الولايات الحدودية إلى المدن الأميركية الكبيرة، مصحوبةً بالتشرد والعنف في الشوارع.
إحدى التحديات التي يواجهها ترامب هو أن الحزب الجمهوري منقسم بشدة على نفسه بشأن العديد من هذه الأزمات، وخاصة بشأن تقديم مزيد من المساعدات لأوكرانيا. ترامب لم يبلور بعد سياسةً خارجيةً متماسكةً ومنسجمةً باستثناء التفاخر بأنه لو ظل رئيساً في 2021، لما حدثت هذه الأزمات أبداً، وبأنه إذا أعيد انتخابه فسيحلّها بشكل سريع جداً.
وفي الأثناء، يشعر العديد من الأميركيين بالقلق والخوف على الرغم من الأخبار الاقتصادية الجيدة. وسيقدم ترامب في حملته وعوداً بفرض ثورة جذرية على النظام السياسي، بما في ذلك عمليات تطهير واسعة لـ«مستنقع» واشنطن، كما يصفه، وتعيين كادر جديد من المسؤولين الذين لا يدينون بالولاء للدستور أولاً وإنما لدونالد ترامب قبل كل شيء. وهذا ما يفسّر الحجج التي تقول إن التصويت لصالح ترامب هو تصويت لزعيم سلطوي مناوئ للديمقراطية لن يتوانى عن استخدام سلطته للثأر وتصفية حساباته الشخصية وقيادة الأميركيين نحو الديكتاتورية. وقد لا يعدو أن يكون هذا تهويلاً انتخابياً، لكنه بالنسبة للديمقراطيين والجمهوريين المناهضين لترامب احتمالٌ يجب محاربته على كل المستويات.