لأن النجاح له ألف أب، ولأن الفشل له أب واحد، فإن إيران تحاول أن تحصل على نصيب من نجاح عملية «طوفان الأقصى» التي أطلقتها كتائب عز الدين القسام على المستوطنات الإسرائيلية ٧ أكتوبر من هذه السنة.
العملية هزت إسرائيل في أعماقها كما لم يهزها شيء من قبل، وباستثناء حرب السادس من أكتوبر ١٩٧٣ طبعًا.. تلك الحرب التي زلزت الدولة العبرية في أعماق أعماقها، فحققت النصر ومسحت عار الهزيمة على يد رجل عظيم اسمه أنور السادات.
والقصة أن الحرس الثوري الإيراني راح يسرب خبرًا عن أن «طوفان الأقصى» كان انتقامًا لمصرع قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس، الذي لقى حتفه في يناير ٢٠٢٠ بأمر من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.. وقد كانت عملية اصطياده عند خروجه من مطار بغداد وقتها، بمثابة عملية لاصطياد ديك رومي في نظر الأمريكيين!
وما كاد الحرس الثورى يسرّب الخبر، حتى كانت حركة حماس قد خرجت تكذبه، فقالت إن كتائب القسام، التي تمثل الجناح العسكري للحركة، قد نفذّت «طوفان الأقصى» دفاعًا عن المقدسات في مدينة القدس، ورفضًا للانتهاك المتكرر لها من جانب المحتل الإسرائيلي، ورغبةً في إيقاظ العالم لعله ينتبه إلى أن للشعب الفلسطيني أرضًا محتلة لا بد أن تقوم عليها دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس.
ولأن اللهجة الحمساوية كانت واضحة وقاطعة، فإن قيادة الحرس الإيراني قد سارعت تنشر ما يشبه النفي للرواية التي صدرت عنها، ثم سارعت تؤيد حماس فيما تقوله عن أن عملية طوفان الأقصى عملية فلسطينية لحمًا ودمًا.
وبالطبع.. فهذا خبث إيراني شديد.. لأن طهران إذا كانت قد ألقت بروايتها في البداية، ثم سحبتها، فإنها قد ضمنت أن تبقى الرواية في هامش الذاكرة لدى الناس، وضمنت أيضًا أن تكون قد حسنت من صورتها أمام المطالبين بالثأر لسليماني عندها، وضمنت للمرة الثالثة أن تظل إسرائيل تشك فيما إذا كانت العملية فلسطينية خالصة.
إن حكومة المرشد الإيراني على خامئني ترى أن إسرائيل كان لها دور في اصطياد سليماني، وتتوعدها منذ سقوطه صريعًا في محيط المطار.. وعلى مدى ما يقرب من أربع سنوات كانت تكرر أنها تحتفظ بحقها في استرداد حق سليماني في الوقت الذي تراه مناسبًا لها.. ولم يكن أمامها ما هو أنسب من عملية طوفان الأقصى، ولم تجد أى حرج في أن تزاحم حماس فيها، حتى ولو كانت قد نفت المزاحمة على استحياء، فهذا خبث إيراني معروف ومتوارث!