بعدما أخلى الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الساحة للتكهنات التي استمدت زخمها من اتساع الخيال السياسي اللبناني، الذي يسقط في براثنه جزء من وسائل الإعلام، والذي يتغذى من الخواء الذي يتحكم بمعظم الطبقة السياسية العاجزة عن إيجاد مخارج لأزمة الفراغ الرئاسي، اختار أن يتحدث مباشرة إلى وسائل إعلامية ناطقة بالفرنسية (أ ف ب، ولوريان لوجور)، ليضع نقاطاً على الحروف.
التأويلات ملأت الصحف وأَثير الشاشات، حول توجهات دولة كبرى مثل فرنسا، حيال الوضع اللبناني «المأسوي» الذي بلغ الحضيض، وفي توصيف نواب وسياسيين تبسيطيين وبسطاء، بأنّ مهمة لودريان فشلت. وهي تأويلات تسلّحت بحجج «قروية» نظراً إلى قصور البعض في طريقة إسقاط الخيبات التي تعرّضت لها باريس في أفريقيا، على لبنان، من دون أن يعني ذلك أنّ المقاربة الفرنسية للأزمة لم تخلُ من الأوهام هي الأخرى.
لكن تلك الأوهام المنسوبة إلى الدبلوماسية الفرنسية تغلّبت على الواقعية المطلوبة من باريس لأسباب غير تلك التي اعتمدتها تحليلات محلية، ربطت الأمر بمصالح ضيقة. شكل ذلك قصر نظر عند الجهات التي استعجلت استضعاف باريس، بقدر حجم التهمة الموجهة إلى الأخيرة. وجرى استخدام الإعلام لتحييد الأنظار عن حاجة فرقاء آخرين إلى تقطيع الوقت إلى أن ينجلي المشهد الخارجي حول البلد. وما نسمعه من أسماء يجري رميها منذ أيام، تارة منسوبة إلى الموفد القطري رغم أنه شديد الكتمان في تحركه، وأخرى منسوبة إلى أوساط لبنانية، قد يكون لحرق بعضها، أو للتهويل ببعضها الآخر على جهة محددة، أو من باب التمنيات...
يقتضي القول إنّه لا الإيحاء بأنّ الموفد القطري يطرح الأسماء ولا التلميح إلى تسريبها من قوى محلية، يعنيان أنّها مطروحة بجدية. فكل اسم من الأسماء، في ظل التعقيدات السياسية الداخلية، والخارجية المحيطة بلبنان له تعريف سياسي دولي وإقليمي ومحلي أو يشكل مشروعاً يفترض أن يرتكز إلى تسوية حول البلد المهيض الجناح.
إستسهل بعض الأوساط السياسية الحكم بالفشل والدبلوماسية الفرنسية تدرك، رغم تشديدها على أنّ اختيار الرئيس داخلي، مدى الحاجة إلى تسوية إقليمية دولية تستولد هذا الرئيس.
خلاصة تصريحات لودريان، والتي جاءت لتكرر تسريبات مصادر فرنسية من باريس في الأيام القليلة الماضية، أنّه أولاً لا صحة لحصول خلاف بين دول الخماسية في نيويورك أو «حتى تمايز». وثانياً أنّه على الفرقاء اللبنانيين أن يلجأوا إلى الخيار الثالث في الرئاسة، بعدما تعذر على المرشحَّين الحاليين جمع الأصوات المطلوبة. ومع أنه يُنقل عن مسؤولين فرنسيين إنّ هذا لا يعني بالضرورة استبعاد خيار رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية، فإنّ كلام لودريان العلني هذه المرة يعكس نصيحة للثنائي الشيعي بالتفتيش عن الخيار الآخر. وثالثاً أنّ لودريان ألمح إلى إمكان تخلي المجتمع الدولي عن جهوده في لبنان لأنّ دول الخماسية وغيرها تعبت من بذل المساعي فيه بلا نتيجة. وهذا يعكس قرف الدول الكبرى من الوضع اللبناني، لأنّ بعض مسؤوليها يردد بأنّ خلافات الداخل التي تزيد الجهود الخارجية صعوبة...
لودريان الذي سيعود الشهر المقبل بعدما حسم في زيارته الثالثة، حسب المصادر الفرنسية، مسألتيْ دعوة رئيس البرلمان نبيه بري إلى جلسة نيابية لانتخاب الرئيس في نهاية الحوار- المشاورات، التي سيجريها مع الفرقاء، بدورات مفتوحة، وحصل منه على تأكيد بأنّ 86 نائباً وأكثر سيحضرون الجلسة في الدورة الثانية. وهو سيسعى إذا تسنى له الاطلاع على نتائج التحرك القطري، أن يبني عليه لإجراء المشاورات الثنائية مع الفرقاء بدلاً من طاولة الحوار، لإظهار نقاط الالتقاء من الأجوبة الخطية والشفهية التي حصل عليها منهم حول مواصفات الرئيس المقبل ومهماته، إلى رسم إطار لنقاط التقارب، يبنى عليه لدعوة القادة اللبنانيين إلى التفاوض على الأسماء. الجانب الفرنسي لا يستبعد أن يحصل النقاش والتفاوض بين الفرقاء، بين دورة انتخابية وأخرى داخل البرلمان، بالإضافة إلى الحوار الذي يسبق الدعوة إلى الجلسة الانتخابية...
إلا أنّ فرقاء في الداخل يستخدمون تحرّك دول الخماسية ومنها قطر لترجيح هذا الاسم أو ذاك، في وقت سبق لبعض أعضائها وخصوصاً فرنسا، أن انغمسوا في لعبة الأسماء ثم تراجعوا، بعدما لوّعتهم هذه اللعبة فحصدوا الانتقادات، من القيادات المسيحية خصوصاً.
قناعة بعض دول الخماسية ومعها فرقاء بالداخل أن لا فائدة من أي جلسات حوارية حول الخيار الرئاسي الثالث من دون تخلي «الثنائي الشيعي» عن دعمه فرنجية، كي يستقيم البحث عن مرشح خارج الاصطفافات. وهذا لم يحصل لأن الرئيس بري و»حزب الله» أكدا تمسكهما بدعمه.
لذلك، «الظروف لم تنضج بعد».