: آخر تحديث

التفاهمات الإقليمية: إختبار النوايا والسياسات!

15
12
14
مواضيع ذات صلة

لم يكن متوقعاً أن تسلك العلاقات السعوديّة - الإيرانيّة المسارات السهلة من الأشهر الأولى للتفاهم بين البلدين خصوصاً على ضوء الخلافات التاريخيّة العميقة بين البلدين والفروقات الجوهرية في مقاربات ملفات المنطقة والسياسات المعتمدة. ولم يكن متوقعاً أيضاً أن تتداعى بشكل فوري وأوتوماتيكي كل الإشكاليات المتراكمة التي تفاقمت عبر السنوات الماضية.

إلا أنّ تلك المصاعب، على حدتها وحساسيتها، تبقى قابلة للتذليل التدريجي في حال توفرت الإرادة السياسيّة لدى الطرفين بتطبيع سريع ومتكامل للعلاقات السياسيّة والديبلوماسيّة ومن ثم الإقتصاديّة والتجاريّة ربما من دون إغفال العقوبات الأميركيّة والدوليّة المفروضة على طهران منذ سنوات والانعكاسات المحتملة لذلك على الرياض.

لا شك بأنّ الرعاية الصينيّة للاتفاق بمعزل عن الولايات المتحدة الأميركيّة شكلت منعطفاً مهماً ليس فقط على صعيد موازين القوى في الشرق الأوسط بل على صعيد السياسة الخارجيّة الصينيّة أيضاً التي عكست فيها مقاربة جديدة مغايرة لتوجهاتها السابقة القائمة على التحفظ في المبادرة والامتناع عن الغرق في الوحول السياسيّة والعسكريّة المباشرة.

ثمّة مصلحة اقليميّة في المنطقة في تبريد التوتر الذي شهده محور الرياض - طهران على مدى سنوات طويلة والذي أدّى إلى تسخين عدد من الساحات خصوصاً بسبب السياسات المعتمدة من قبل طهران في دعم أذرعها العسكريّة والأمنية بما يتناسب مع مشروعها القديم القائم على تمدد النفوذ نحو الدول المحيطة.

من هنا، تبدو الحاجة ملحة لأن تواكب بكين تنفيذ التفاهم خطوة خطوة، وذلك عبر التأكد من تطبيق الطرفين الالتزامات التي قُطعت في ورقة التفاهم، بما يعزز خطوات بناء الثقة تدريجياً ويحول دون تعثّر التنفيذ والتراجع إلى الخلف ما سيولد واقعاً قاتماً في المنطقة لن يخلو من أعمال «الانتقام» على خلفيّة فشل التسوية وتقهقر مفاعيلها على مختلف المستويات.

بطبيعة الحال، ستكون إسرائيل المستفيد الأول من هذه الخطوة لأنّ ليس لها أي مصلحة على الإطلاق في أن تتراصف القوى الأساسيّة في المنطقة بعيداً عن خياراتها ومصالحها، ولأنّها تسعى لأن تحظى، بمساعدة أميركيّة، على اتفاق للتطبيع مع السعودية التي يعتبرها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمثابة «الجائزة الكبرى» بعد خطوات التطبيع مع دول عربيّة أخرى.

إنّ السعي الإسرائيلي الحثيث للالتفاف على القضيّة الفلسطينيّة من خلال استيلاد مسارات موازية للمسألة المركزيّة مثل التطبيع مع بعض الدول العربيّة في الخارج ومواصلة سياسة التوسع الاستيطاني في الداخل والقمع من دون هوادة ورفض الاعتراف بالحقوق المشروعة، يضيره طبعاً أي تقارب بين القوى الإقليميّة حتى ولو لم تكن متفاهمة تماماً على مقاربة قضيّة الصراع العربي- الإسرائيلي.

من أجل هذا الاعتبار، ومن أجل اعتبارات الاستقرار في المنطقة العربيّة عموماً، ثمّة حاجة عربيّة جديّة للحفاظ على التفاهم القائم ولتعميق الحوار بهدف الوصول إلى المشتركات الممكنة بعيداً عن تغذية النزاعات التي تؤدي إلى مراكمة سوء الفهم والتوتر وتنذر بعواقب وخيمة في المستقبل لن يكون من السهل تجاوزها أو تجاوز مفاعيلها السلبيّة على مختلف المستويات.

المطلوب هو عدم التدخل في الشؤون الداخليّة للدول العربيّة والابتعاد عن زعزعة أسس استقرارها الداخلي من خلال السعي لإضعاف الدول المركزيّة فيها وتغذية القوى التي غالباً ما تتحدى الحكومات وتبسط شبكة نفوذها على ضفاف سلطات تلك الحكومات مطبقة مشاريعها الخاصة.

يبقى التفاهم السعودي- الإيراني قيد الاختبار، اختبار النوايا واختبار السياسات. وتبقى المنطقة ومصيرها مرتبطين إلى حد بعيد بنتائجه المنتظرة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد