: آخر تحديث

الاستغلال السلبي للأولاد

22
18
20
مواضيع ذات صلة

من طبيعة الإنسان أن يرغب في الوصول إلى غرضه، وأن يسعى في ذلك، والطرق المفضية إلى مآرب النفس وأهوائها كثيرة مختلفة، منها المستقيم ومنها المعوج، وليس الإنسان حراً في سلوك ما شاء منها، بل إن سيرَه نحوها تحكمه قيودٌ شرعية ونظامية وعرفية وأخلاقية، ومتى تهاون بالالتزام بتلك القيود لم يعد سعيه مستساغاً، بل يكون مرفوضاً على حسب تهاونه بما تقرر في الشرع وفي النظام، ومن الجلي أن تلك القيود الضابطة للتعاطي مع الأغراض لم ترسم للمضايقة ولا لقطع الطريق أمام أحد، وإنما الحكمة منها التنظيم والإنصاف وعدم طغيان مصلحة فرد من أفراد المجتمع على حقوق غيره الخاصة والعامة، وألا يفضي اشتراك الناس في المرغوبات وتنافسهم عليها إلى فساد ذات بينهم واختلال علاقاتهم.

والواقع يشهد بأن من انعتق من الانقياد للأوامر والنواهي الشرعية، وتمرد على النظام فقد ضحى بمصلحته وإن ظن أنه قد احتال لها، وسينجلي له أن لم يجن من سعيه إلا ركاماً من الإشكالات والتبعات التي سيندم عليها عاجلاً  أم آجلاً، ولي مع خطورة الاستغلال السلبي للأولاد وقفات:

الأولى: يخيل إلى بعض الناس أن من أيمن الفرص سلوكَ الطرق الخاطئة إذا ظنوا تسريعها إلى الأهداف البعيدة المنال، ولا يدققون ليتبين لهم أكانت الطريقة وهمية غير آمنة، أم حقيقية سالكة؟ وهذا غلط، فالوصول لا يكون إلا في النهج الصحيح، فأول مقومات الطرق التي يلزم التأكد منها وجود الإذن الشرعي والنظامي المبيح لسلوكها، ثم سلامتها وكونها حقيقية ومفضية إلى المطلوب الخالي من الشناعة والخطورة، فإن تبين فيها ما يوجب اجتنابها اجتنبت، وإن تبينت جدواها انتقل إلى مرحلة المقارنة بينها والتعرف على أخصرها، وأحراها بأن يوفر سلوكها الوقت والجهد، فإن ظهر فيها منحى يطوي المسافاتِ ويدني القصيَّ من الرغبات، وكانت للسالك قوة ومهارة تؤهلانه لسلوكه فهذا من علامات التوفيق والسداد، والمسيرة إلى الأهداف تشبه السير إلى الوجهات في السفر العاديِّ، ومعلوم أنه يُطوى بُعده لمن كُتب له ذلك؛ وقد أثر في أدعيته أن يقال: "اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ"، وإذا لم يتمكن من طيِّ المسافات كما ينبغي؛ لقصور في إمكاناته فليصبر على طول الطريق الآمنة، وليعلم أن الوصول متأخراً أفضل من الإقدام على انتهاج الطريق غير المأذون فيه.

الثانية: من أسوأ أنواع التسبب السلبي واستغلال الأولاد في تحقيق مكاسبَ مادية، وشهرة مزيفة؛ وذلك لأن الولد فرد من أفراد المجتمع له حقوقه ومستقبله، بل هو لبنة تهيأ لتكون في محلها اللائق بها في تشييد صرح الوطن، فاستغلاله استهتار وتلاعب، وهو شديد الشناعة ولو صدر من شخص بعيد لا تربطه به علاقة، وتتضاعف الشناعة إذا صدر ذلك من أحد والديه؛ لأن هذا يعني أنه تجاهل قيمة نعمة منَّ الله به عليه، وتجاهل أن الولد أغلى ما يُمنحه الإنسان من زينة الحياة الدنيا، لا سيما أنه إن صلح واستقام كان بركة على والديه في الحياة الأخرى، فمن أعمال الإنسان التي لا تنقطع بموته (ولد صالح يدعو له)؛ ولهذا كان مما دعا به أحد الأنبياء عليهم السلام: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سُمَيْعُ الدُّعَاءِ)،

والإنسان الذي لم يرزق الذرية يعاني من فراغ حادٍّ لا يُوصف، ويبذل الأموال الطائلة ليتخلص من المانع، فما أخسر صفقة من وهب الله له الذرية، فاستغلها استغلالاً سلبيّاً، وإذا حصل هذا الاستغلال في وسائل التواصل الاجتماعي تضاعف شؤمه؛ لأن الإشكالات المتعلقة بهذه الوسائل عالية الخطورة عميقة الأثر، فالزجُّ بالولد فيها تضحية صارخة به.

الثالثة: كثير من الناس لا ينقصه من المعرفة ما يهتدي به إلى قبح مثل هذه التصرفات، لكن نفسه المتطلعة إلى رغباتها لا تطاوعه على الوقوف عند الحدود المسموح بها، وإن كان مقتنعاً بأنّ تخطِّي الحدود سيئ، ومثل هذا إذا لم تردعه التقوى فإنما يُكبحُ جماحه بالنظام، على حدِّ قول عثمان بن عفان رضي الله عنه: (إن الله ليَزَعُ بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن)، فالمقترح أن توضع أنظمة واضحة لكبح جماح الذين يستغلون وسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق مآرب غير مشروعة، وأن تشدد العقوبة في ذلك بحسب التعدي الناتج عن سوء الاستغلال، وفي ذروته جعل الأولاد آلة كسب وجذب واستغلال، وأنظمتنا المباركة الميمونة كفيلة بأن تؤدب من تُسوّل له نفسه العبث بالناشئة، حتى يعلم أن الدولة هي الأم الحنون، والأب الراعي لجميع أفراد الشعب، وأن نظامنا محافظ على دوره الشريف لحماية أولادنا ولو تخلى كل من الأب أو الأم عن دوره المنوط به في ذلك.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد