: آخر تحديث

لماذا يتهيّب الأطلسي ضمّ أوكرانيا "الآن"؟

19
19
26
مواضيع ذات صلة

قصة الحرب الروسية - الأوكرانية هي قصة حلف شمال الأطلسي منذ البداية. الولايات المتحدة المنتصرة في الحرب الباردة أوائل التسعينات من القرن الماضي، رأت أن تحصين انتصارها هذا وتزعمها للنظام العالمي الجديد، يمران بتمدد الحلف الغربي الذي تأسس عام 1949 شرقاً إلى دول أوروبية كانت تدور في الفلك السوفياتي، وحتى إلى جمهوريات سوفياتية سابقة.   
 
هذا التمدد حدث عقب أكبر تحول جيوسياسي في القرن العشرين، تمثل في تفكك الاتحاد السوفياتي ونشوء روسيا ضعيفة وفاقدة لنفوذ سياسي واقتصادي، تمتعت به لأكثر من سبعة قرون، وما عليها الآن سوى الاعتراف بالحقائق السياسية الراهنة. 
 
آخر الأوراق التي لعبها ميخائيل غورباتشوف وهو يشهد تفكك الاتحاد السوفياتي، هي مطالبة أميركا بعدم توسع حلف الأطلسي شرقاً في مقابل موافقة روسيا على توحيد ألمانيا. لكن ما من سبب يحمل المنتصر على احترام وعوده للمهزوم.   
 
ومن المفارقات أن مسؤولين أميركيين أبدوا تحفظات عن سياسة تمدد الحلف شرقاً، متوقعين أن تؤدي في لحظة ما إلى صدام مع روسيا التي لا تزال تحتفظ بترسانة نووية هي الأكبر في العالم. لكن الإدارات الأميركية من عهد بيل كلينتون إلى عهد جو بايدن، واصلت سياسة الزحف شرقاً، معتبرة أن الحلف هو الضامن الأكبر لاستمرار الغرب في زعامة النظام العالمي الذي نشأ على أنقاض الاتحاد السوفياتي.    
 
وكان الخطأ الأكبر الذي ساهم في الحرب الحالية، هو الدعوة التي وجهها حلف شمال الأطلسي في قمة بوخارست عام 2008 لأوكرانيا وجورجيا من أجل الانضمام إلى الحلف. وقتذاك، تحفظت فرنسا وألمانيا عن الدعوة التي أصر عليها الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش. 
 
تاريخياً، تنظر روسيا إلى أوكرانيا باعتبارها من الجمهوريات السلافية الثلاث، روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا. ولهذا السبب اعتبرت موسكو أن انضمام أوكرانيا إلى الأطلسي المقصود منه تطويق روسيا استراتيجياً ومنعها من استعادة مكانتها الدولية. أوكرانيا تعني لروسيا غير ما تعنيه دول أخرى انضمت إلى الأطلسي، فكانت حرب 2014 وضم شبه جزيرة القرم والحرب في منطقتي دونيتسك ولوغانسك، حيث تقطن غالبية من الروس. 
 
ومع الصراع الغربي - الروسي على أوكرانيا، بدأت مقدمات الحرب الحالية التي ولو اتخذت الأراضي الأوكرانية مسرحاً لها، ترتدي طابعاً استراتيجياً من شأنه تحديد القوة التي يمكن أن تسيطر على العالم في ما تبقى من القرن الحادي والعشرين. من دون أوكرانيا يبقى الغرب شاعراً بأن روسيا لم تنهزم بالكامل، وبأن مقومات انبعاثها تبقى واردة إذا تمت لروسيا يوماً السيطرة على أوكرانيا.  
 
أميركا وحلفاؤها يدافعون عن نظام القطب الواحد الذي يدير الغرب من خلاله شؤون العالم، بينما روسيا ومن خلفها الصين، تدفعان في اتجاه نظام متعدد القطب يكسر الهيمنة الأميركية. وتقف دول مثل الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا إلى جانب الدعوة إلى التعددية القطبية، وإن كانت لا تقر روسيا في هجومها على أوكرانيا.    
 
وعندما يتلكأ الأطلسي اليوم عن قبول سريع لعضوية أوكرانيا، فإنه يدرك أن هذه العضوية سترتب على الحلف أن يتدخل مباشرة في الحرب تطبيقاً للبند الخامس من ميثاق الحلف، الذي ينص على دفاع الدول الأعضاء عن أي دولة عضو تتعرض لهجوم.   
 
الدخول المباشر في الحرب، ليس ضمن نطاق خطط الحلف حتى اليوم. وإرسال كميات كبيرة من السلاح والأموال إلى أوكرانيا، يختلف عن التورط المباشر في حرب لا يمكن التكهن بالوجهة التي تتخذها آنذاك.    
 
من هنا، التريث من جانب الأطلسي في توجيه دعوة رسمية لأوكرانيا إلى الانضمام إلى الحلف، كما كان الوضع في حالتي فنلندا والسويد.         
وفي الخلاصة، إذا كانت غاية أميركا من زحف الأطلسي شرقاً هي ضمان السلام في أوروبا وعدم نشوب حرب، فهذه أسوأ حرب تنشب على أراضي القارة منذ 1945.    
وإذا كان الهدف من الدعم الغربي بالسلاح والمال لأوكرانيا، إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا لا قيامة لها من بعدها في المدى المنظور، فإن هذه السياسة تحمل مخاطر قد لا يكون لأوروبا ولا للعالم قبل بتحمل نتائجها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد