تراوحت الامارات خلال السنوات الماضية بين تنمية الرفاهية للمواطن وبناء اقتصاد قوي يتجاوز مفهوم الاعتماد على النفط ، وبين اشاعة الثقافة والفنون بانشاء مدن ثقافية تمتد من ابو ظبي الى دبي ومرور بالشارقة حيث تزدهر مكتبات المستقبل ومعارض الكتب ومتاحف الفنون .
قبل اسابيع كانت ابو ظبي تحتفل بالعلامة التونسي ابن خلدون يحضر هذا العام من خلال حوار مبهج عن الحضارة والعمران قاده التونسي إبراهيم شبوح بعلمه الواسع ، والعراقي رشيد الخيون بصراحته ودقته العلمية ، وكان المثقف والاكاديمي الاماراتي علي بن تميم يملأ اروقة المعرض بحضوره ومتابعته لحديقة الكتب التي امتدت على مساحة واسعة ..كرمت ابو ظبي ابن خلدون واستذكرت معه ما قاله قبل الف عام من ان الحكم وادارة المجتمع ينشآن من الخواص الطبيعية للمجتمع ،.وان الحاكم الحق هو الذي يدرأ المخاطر ويشيع العدل بين الناس .
كنت وانا اتابع ندوة ابن خلدون انظر الى صورة الراحل الشيخ زايد بن سلطان وهو يتصفح كتاب المقدمة لابن خلدون ، فكان بحق شخصية المعرض التي تشعر انها حاضرة في كل مكان في الامارات . الرجل الذي قرر ان يبني في عمق الصحراء ، بلادا للمستقبل ، تتحول فيها الرمال ومياه البحر الى شوارع تشع عمل ومثابرة وناطحات سحاب وحدائق ومدارس وجامعات ومستشفيات ومتاحف وأحلام أخرى تتولد كل يوم ، وليثبت لنا ان الانسان العربي قادر على منافسة العالم المتطور ، بل والتفوق عليه احيانا .لم يكن صاحب الصورة التي توسطت جلسة الاحتفاء يحب الشعارات والخطب الطويلة ، فهو يعشق الهدوء والحكمة وتنمية المدن ، وطوال مسيرته السياسية لم يظهر واقفاً على منصة ينتظر الهتافات، ، قدم الى مواطنيه نموذجاً مزدهراً من خلال العمل، ظل يؤمن حتى اللحظة الأخيرة من حياته أن وقت المسؤول ملك للناس ، فإما أن يمضيه في العمل ورفع شأن البلاد، وإما أن يقضيه في القتال حتى مع خياله.
عندما غادرت المعرض اقترح علي صديق عزيز ان اذهب لمشاهدة متحف اللوفر الذي اقيم على جزيرة وسط ابو ظبي ، لم اكن اتوقع انني سألتقي بابن خلدون ثانية ، لكن مقدمته لاحت لي منقوشة على احد حيطان المتحف ، وبالقرب منها نشاهد بيكاسو ودالي وكاندينسكي ودافنشي ومخطوطات كتبت في بغداد العباسية وصفحات منقوشة من مقامات الحريري .
اخرج من بوابة متحف اللوفر ، واتذكر اننا في بلاد الرافدين استبدلنا العمل على سعادة الناس بمعارك المناصب والغنائم؟ .