الإرهاب آفة معقدة في مكوناتها، وظاهرة تنطلق من فكرة فاسدة وعقيدة متطرفة ومنطق إقصائي يرفض التنوع والحق في الاختلاف ليفرض على الناس بقوة الترهيب والتخويف ما يعتقد الإرهابي أنه الحقيقة المطلقة. هذه الحقيقة أدركتها وزارة الداخلية وعملت من خلالها على مقاومة الظاهرة الإرهابية لمحاصرتها في منابعها واستئصالها من جذورها، فهذه الوزارة هي الجهة المنوط بعهدتها سلامة الوطن والمواطن والمقيم والزائر، ورعاية قيم العيش معًا، وحفظها من كل معتد، ومكافحة الإرهاب وتتبع مرتكبيه لعرضهم على القضاء، وتعقب المتطرفين للاطمئنان على سلامة المجتمع وخلوه ٍمن أنشطة التطرف الهدامة.
ولبلوغ هذه الغاية وضعت وزارة الداخلية البرامج وصاغت الخطط في شراكة خلاقة ومثمرة مع وزارات أخرى وهيئات رسمية وأطراف أخرى في المجتمع، إيمانًا منها بأن مكافحة التطرف والإرهاب والعمل على إشاعة التسامح والقيم المجتمعية الحقة، عمل مجتمعي ضخم ممتد ولا يمكن جعله محصورًا بزمن ما ولا بجماعة معينة ولا بمقاربة أمنية تقليدية يُكتفى فيها بالقبض على المذنبين وعرضهم على أنظار العدالة، ولهذا صاغت وزارة الداخلية الخطة الوطنية لتعزيز الانتماء الوطني وترسيخ قيم المواطنة «بحريننا» وجعلت مسؤولية الإشراف عليها من صميم اختصاصها وأشركت معها وزارات الدولة المعنية مثل وزارة التربية ووزارة الإعلام وغيرها من الوزارات الأخرى ذات العلاقة.
وفي رأيي المتواضع فإن كلمة معالي الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية التي ألقاها في احتفال منظمة DARE الأمريكية تلخص تجربة مملكة البحرين في معالجة الإرهاب والتطرف وتؤسس، في ذات الوقت، لمرحلة جديدة من التعاون بين الحكومات والمؤسسات الدولية في مواجهته بكافة أشكاله وأينما كان موطن نشاطه. مملكة البحرين تعاملت مع كثير من المشكلات المجتمعية بطريقة أثبتت نجاحًا ملحوظًا، فعلى مستوى الإرهاب والسلوكات المتطرفة مرت بالبحرين فورة طائفية لم تدم والحمد لله طويلاً، ولكنها مع ذلك تركت أثرًا اجتماعيًا بالغ الخطورة يهدد الوحدة الوطنية ويضرب في الصميم القيم المنشئة للهوية البحرينية، هذه الفورة على علاتها وسلبياتها كان لها فضل في إخراج التطرف والمتطرفين من جحورهم لتنكشف خططهم الخسيسة وتتجلى حقيقة جمعياتهم وأنشطتهم التي لا تضمر للبحرين والبحرينيين إلا السوء، ولينتبه شعب البحرين بفضل يقظة رجال الأمن أن في البيت البحريني الجامع ثعبان يتغذى من أحقاده وينمو ما بقي التطرف فكرةً تُنفث في المجتمع بأشكال مختلفة، وينتعش بأمراض اجتماعية أخرى كالإدمان والجريمة المنظمة.
من أجل ذلك وضعت وزارة الداخلية برنامجًا متكاملا نكافح فيه «معًا» العنف والإدمان والتطرف والجريمة المنظمة «معًا»، وقد حظي هذا البرنامج بإشادات داخلية وخارجية متنوعة فيها إجماع على جودة هذا البرنامج وفاعليته في التعامل مع ظاهرة في تعقد ظاهرة الإرهاب والتطرف، فبهذا البرنامج تعالج مختلف مكونات الظاهرة الإرهابية ومختلف امتداداتها وروافدها لتحاصر وتُضعف وتُستأصل دون عناء، وهي تضمن المساهمة الفعّالة في زرع المناعة لدى الناشئة والشباب ضد التطرف والإرهاب ومختلف أشكال الانحراف وخاصة منها الإدمان على المخدرات والاتجار بها.
خطة «بحريننا» وبرنامج «معًا» جديران بأن يطبقا في المجتمعات الإنسانية الأخرى وفقًا لخصوصية كل مجتمع، لأنهما أثبتا نجاحًا ملحوظًا في المجتمع البحريني. ولعل إشارة معالي وزير الداخلية إلى الخطة والبرنامج كان يهدف إلى عرض تجربة البحرين لتكون محل دراسة وتفكير للاستفادة من تجربة البحرين في هذا الموضوع. ولم يفوّت معالي الوزير الفرصة للإشادة بمختلف الجهود المبذولة ولعرض تجربة شراكة المجتمع مع شرطة المجتمع والدور الرائد في تعزيز التسامح ومكافحة الإرهاب بالقول: «تُعد مشاركة المجتمع أمرًا حيويًا في عملنا لتعزيز التسامح ومكافحة التطرف حيث تحتل شرطة المجتمع بوزارة الداخلية موقع الصدارة في التعامل مع المجتمع المحلي من خلال تعزيز الشراكة بين المواطنين والشرطة، وتطبيق برامج لمواجهة التعصب والتطرف..».
كلمة معالي وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة كلمة منهجية بينت أن مكافحة الإرهاب والتطرف ونشر التسامح على أوسع نطاق عمل جماعي ولن يكتب لمختلف المجهودات المبذولة في سبيله النجاح إلا بتضافر جهود الدول والمؤسسات الدولية، وبالتركيز في عوامل المناعة المستدامة وخاصة منها التربية السليمة والتعليم المبني على تعزيز مهارات التفكير الناقد وقيم العيش معًا، وقد أحكم حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين المعظم، حفظه الله ورعاه تلخيص المسألة بقوله إن «الجهل عدو السلام، ومن واجبنا أن نتعلم ونشارك ونحيا معًا من خلال إيماننا بعقيدة تجمعنا بروح المحبة والاحترام المتبادل».

